adnan.h@almadapaper.net
منذ آب 2015، وهو التاريخ الذي قدّمت فيه الحكومة حزمتين إصلاحيتين أعقبتهما لاحقاً بحزمة ثالثة، فضلاً عن حزمة إصلاحات زاود فيها مجلس النواب على الحزمة الحكومية الأولى، سُطّرت ملايين الكلمات على أطنان من الورق وقيل ما يملأ نصف فضاء الكرة الأرضية بشأن موضوع الإصلاحات الذي ما كان سيكون له وجود لولا الحراك الشعبي الاحتجاجي الذي انطلق بنسخته الجديدة المتواصلة حتى اليوم منذ حوالي السنة ونصف السنة.
لا الحزم الحكومية الثلاث ولا الحزمة النيابية يُنجزْ منها ما يمكن لأيّ من الحكومة أو مجلس النواب أن يباهي به ويتفاخر.. كلّ ما تحقّق لم يمسّ جوهر عملية الإصلاح التي وعدت بها الحكومة والبرلمان .. القوانين التي وُعدنا بتشريعها لتعديل مسار العملية السياسية، ولقطع دابر الفساد الإداري والمالي، ولتقليص الاعتماد على سلعة النفط الغدّارة وتحقيق اختراق في الزراعة والصناعة، ولاستكمال بناء الدولة، لم يُسنّ منها شيء.. مجلس النواب التهى بتشريع القوانين التي لا قيمة لها، بل هي هدّامة ومخرّبة كقانون البلديات الذي صار اسمه قانون الخمور، تهكماً، وقانون العشائر الذي يُراد لتشكيلة اجتماعية بائدة أن تحلّ محل الدولة، بدلاً من انتشال الدولة من فشلها.
وفي أول اختبار جدّي لها على صعيد الإصلاح، سقطت الحكومة الحالية على نحو لم يكن يتمناه لها حتى معارضوها. هذا الاختبار يتمثّل في مشروع القانون المقترح لانتخاب مجالس المحافظات والاقضية.
القانونان الحاليّان الخاصان بانتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات كانا من الاهداف المباشرة للحراك الشعبي الاحتجاجي. وحتى الآن لم يكفّ المتظاهرون في ساحة التحرير ببغداد وسائر ساحات الاحتجاج في المحافظات، عن المطالبة بتشريع قوانين جديدة للانتخابات تكون نظيفة من القيود الجائرة التي فرضها القانونان الحاليان على حرية الانتخاب بما يتعارض مع المبادئ والأحكام التي جاء بها الدستور، ومنها مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، ومبدأ الاقتراع العام المباشر في الانتخابات. وهذا الأخير (الاقتراع المباشر) يعني عدم شرعية أن يجري انتخاب عضو في المجالس التمثيلية على نحو غير مباشر، فيما القانونان الحاليان وُضع لتنفيذهما نظام (سان ليغو) الذي يخوّل مفوضية الانتخابات ترحيل أصوات مرشحين غير فائزين الى مرشحين آخرين غير فائزين أيضاً لمنحهم مقاعد في البرلمان أو مجالس المحافظات من دون وجه حق، كما يخوّل رئيس القائمة الانتخابية تحويل أصوات لصالح مرشحين فاشلين يختارهم هو بنفسه ليفرضهم على مَنْ لم ينتخبوهم.
مشروع القانون الجديد لانتخابات مجالس المحافظات الذي أعدّته الحكومة لتقدمه الى مجلس النواب تمهيداً لتشريعه يكرّس نظام الانتخاب غير المباشر الذي طُبّق في الانتخابات السابقة كافة، بل إنه يقترح صيغة معدّلة لـ"سان ليغو" أكثر سوءاً من الصيغة الحالية. مشروع القانون الجديد يقترح صيغة تزيد من سمنة القطط السمان في مجلس النواب والحكومة وتغلق كل باب أمام ممثلي القوى الصغيرة والمرشحين المنفردين.
هذا الأمر في حدّ ذاته يتعيّن أن يدفع بالحراك الشعبي الى عتبة جديدة من الاحتجاج، فالحكومة ومن ورائها قوى الإسلام السياسي المستحوذة على السلطة والنفوذ والمال، تسعى بمشروع القانون المقترح لإدامة احتكار هذه القوى للسلطة والنفوذ والمال، ومواصلة صراعاتها الطائفية وفسادها الإداري والمالي ونهب ثروات الشعب.
القانون الجديد المقترح يتوجّب أن يُسقطه الحراك الشعبي، وأن يُسقط المحاولة اللاحقة لسنّ قانون للانتخابات البرلمانية يتبنّى الصيغة اللئيمة الجديدة بدلاً من تعديل الصيغة القائمة حالياً، وهي غير مقبولة في الأساس لأنها غير عادلة وغير مُنصفة.