إلى فتيات الدراجات في شارع أبي نؤاسحلمت بدراجة هوائية منذ طفولتي. ولم يتحقق هذا الحلم حتى بلوغي الخمسين من العمر. المهم صارت عندي دراجة هوائية. اقترحت على زوجتي وابنتيَّ أن نخرج في رحلة على الدراجات الهوائية. سألتني زوجتي: ولكن إلى أين بالضبط؟. قلت و
إلى فتيات الدراجات في شارع أبي نؤاس
حلمت بدراجة هوائية منذ طفولتي. ولم يتحقق هذا الحلم حتى بلوغي الخمسين من العمر.
المهم صارت عندي دراجة هوائية.
اقترحت على زوجتي وابنتيَّ أن نخرج في رحلة على الدراجات الهوائية.
سألتني زوجتي: ولكن إلى أين بالضبط؟.
قلت وأنا أنفخ الإطار الخلفي لدراجتي: لنخرج، أولاً، ثم أخبرك فيما بعد.
الحقيقة، إنني لم أحدد وجهتي حتى الآن. كنت أحب قيادة الدراجة الهوائية، فقط. وأحب أكثر الرحلات الجماعية على الدراجات الهوائية.
كان يوم جمعة عندما اقترحت هذه الرحلة على آلِ بيتي. هذا يعني أمامنا يومان هما عطلة نهاية الأسبوع.
أخبرت زوجتي، وستخبر هي ابنتيَّ طبعاً، بأننا سنخرج هذا الأحد في رحلة على الدراجات الهوائية.
**********
كان صباح أحد جميلاً، حقاً، الشمس هي التي أيقظتني من النوم. شعاعها اللامع تسرب حتى قدميَّ تحت شراشف سرير يوم الأحد. يوم أحد من شهر آب.
عند مائدة الفطور الصباحي نطقت زوجتي وهي ترشف قهوتها: جيراننا، آدم وجيني سينضمان لنا في الرحلة.
جميل أن تتسع المشاركة. رددت وأنا أقضم آخر لقمة من الخبز والجبنة، قبل أن أختمها بحبة زيتون سوداء.
خرجنا من البيت، زوجتي وابنتاي وأنا، كل مع دراجة هوائية، وعلى رؤوسنا خوذ الأمان.
هالني ما رأيت: كل الجيران الذين يقطنون شارعنا، الذي يبلغ طوله نحو الكيلومتر، كانوا عند أبواب منازلهم بصحبة دراجاتهم الهوائية.
كانوا من مختلف الأجناس: سود وبيض ومخلطين وصفر وهنود، ونحن العرب السمر.
دارت العجلات وتوترت عضلات السيقان واحمرت الوجوه، حتى عجائز الفريق النحيفات بانت عضلات سيقانهن وزنودهن، وأصابع الأقدام التي تمكنت من ملاحظتها قربي كانت تتعرق تحت صنادل صيف لندني عذب.
لم يكن للرحلة أي زعيم أو دليل. كان الجمع يتبع من يكون، مصادفةً، في المقدمة.
وما أن بلغنا متنزهاً صغيراً ترجل البعض تاركين دراجاتهم تسندها الأشجار أو ملقاةً على العشب المستسلم.
آدم وجيني كانا اختارا ان يكونا قريبين منا حيث نجلس، بينما كنت مسترخياً أستلقي على العشب، المستسلم، الندي.
سألت آدم وأنا أجفف عرقي، بينما أقمع رغبة محرجة بتدخين سيجارة: إلى أين نحن ذاهبون، يا آدم؟
ارتفع حاجبا آدم الرفيعين مثل خيط أشقر مستغرباً: حسبتك أنت الزعيم. أنت الذي اقترحت.
انا اقترحت الفكرة ولم أحدد الهدف. أجبته بصوت لم يزل يتقطع بلا سبب.
حسناً، ليكن هدفنا إيثاكا. رد آدم مازحاً.
أتعرف إيثاكا، يا آدم؟ سألته بجدية عربية.
نعم، درسناها في المدرسة. أجاب آدم بينما كانت زوجتانا تتضاحكان كثيراً.
هي مدينة أسطورية على ما أتذكر. أوضح آدم بتحفظ.
أوضحت أنا بتثاقف تلقائي: بل هي مدينة حقيقية: الشعر هو ما حولها إلى أسطورة.
بدا على صاحبي نوع من التساؤل غير المقرون بالمعرفة. علق: أنتم الشعراء تحولون حتى روث المواشي إلى أساطير.
*******
عاودنا رحلتنا. بينما آدم يتقدم الجميع. زوج شاب، حيويّ العينين، جسمه نحيل وطويل مثل عارضي الأزياء.
كانت قبضتاه تحكمان المقود والدراجة تحته حصان حديدي نحيل وطويل مثله.
لحقت به جيني وضربته ممازحةً على ظهره. توقف لبرهة وهي توقفت أيضاً.
قبلها من شفتيها اللتين بدتا في كامل شبقهما أمام الملأ.
جيني وآدم في آخر الدرّاجين الآن.
بينما عبر الجميع شارع فيكتوريا، في الغرب اللندني، بدراجاتهم التي ابتلت الآن بعرق الراكبين.
انتبه الجميع على إثر صرخة وانهيار دراجة على الإسفلت.
سيارة أجرة صدمت آدم.
حضرت سيارة الإسعاف بعد عشرين دقيقة.
كان آدم شبه مغميّ عليه وساقه اليمنى ترتمي نازفةً إلى جانبه.
صحبته إلى أقرب مشفى.
******
بعد الإسعافات الأولية فتح آدم عيناً واحدة. عينه اليسرى. سرعان ما فتح الثانية. كنت أمسك بيده التي بدأت تستعيد الدفء.
ابتسامة غير مرئيّة انبثقت من زاوية شفتيه.
قال بكلمات يابسة: أخشى أن لا أصحبكم في الرحلة المقبلة. الطريق إلى إيثاكا صعبة، فعلاً، بل مؤلمة، يا صديقي العراقي.