TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > كفاءة التمويه الاتصالي للنص.. فحص استبصاري فـي كتاب (طغراء النور والماء)

كفاءة التمويه الاتصالي للنص.. فحص استبصاري فـي كتاب (طغراء النور والماء)

نشر في: 9 فبراير, 2010: 04:57 م

علي شبيبورد هناك من النصوص ما يحكم التلقي بسحر طقسه الاتصالي، سحر الطقس هذا، يستدعي تمتع التلقي بفطنة التأمل المنصرف للتعرّف على ما وراء شبكة المثول العلامي للنص. وذلك لما تتسم به تلك النصوص من كفاءة تمويه اتصالي، والتي تمثل مفترق نوازع الذائقة.
 حيث نفور الذائقة غير الكفوءة، وتواصل الذائقة القادرة على استدعاء الخزين المعرفي لذاكرتها، والذي تخصبه حتما مرجعياتها الثقافية. وقد عودنا الشاعر(عبد الزهرة زكي) على منح النص طاقة سحرية تخصب الطقس الاتصالي، بانفتاحه على عوالم لها ملامح غرائبية نوعا ما. فهو يعمد الى استدعاء رموز ذات ثراء ايحائي، ويعالجها بنائيا، كيما تتحول الى موجهات مؤثرة في حركة أنساق النص(العلاما/ ثيمية). وهذه الرموز المستلة من الموروث، تستحيل في نسيج النص الى أقنعة جمالية، تمور من تحتها مرامي النص الواخزة لمجريات الراهن. وجُلّ ما يعنيه في سعيه هذا، أن يحتفظ النص بخلوده الاتصالي، عبر منظومة بث تتوهج بمفاتن أنساق التلاقح الخصب بين مجريات الفائت والراهن استشرافاً لمجريات الآتي. المتابع لمنجز هذا الشاعر منذ كتبه(اليد تكتشف1993) و(كتاب اليوم.. كتاب الساحر1999) و(كتاب الفردوس2000) وحتى هذا الكتاب الماثل للفحص. يتفق معنا في أن الشاعر لا يرى في كتابة القصيدة مجرد استجابة حسية لهاجس عابر، بل هي جهد(حسي/ ذهني) مرير، على تضاريس الاكتشاف الوعرة. عنوان كتاب(طغراء النور والماء) الصادر عن دار المدى للثقافة والنشر/ 2009 يعلن انتماءه لبلاغة الصورة. فالطغراء أيقونة تشكيلية بامتياز، تنفتح على عالم حراك صوري مبعثه تلاقح النور بالماء. وهذا الاشهار في التركيب اللغوي، يفضي الى انزياح دلالي صوب ثيمة الخليقة الكونية، بالافادة من جمالية التمازج الفيزيائي بين مكونات الطبيعة، لانتاج صور الخليقة الكتابية. أي أن العنوان يضعنا على عتبة مشغل ينتمي الى بلاغة الصورة القائمة على المقاربة المنتجة بين مجريات الطبيعة ومجريات النص، لتحقيق خصوبة الطقس الاتصالي. والفحص التنقيبي في عتبات ومتون الكتاب، يتوصل الى الرموز الموجهة لحراك الأنساق، والعاملة كشفرات مؤصلة للنسيج الكتابي مع الموروث(الطغراء/ نهار عباسي/ الخاتم/ الملاك/ الهدهد/ العاصفة/ الطوفان/ البئر/ الكتاب المسموم/ الناي المسموم/ البومة/ وسواها) وهذا الاستلال من الموروث، قائم على ترصيع أنسجة المتن الكتابي بأيقونات محرضة للمناخ الأسطوري في أنساق النص. وبهذا يبتعد بنا الشاعر عن المواجهة المباشرة مع الصورة الشوهاء للعالم المعيش، صوب صورته المفترضة في النص. في جزء الكتاب الأول(نهار عباسي) تبدأ لعبة الشاعر الكتابية، إذ يتحول الى ساردٍ شفيف لحكايات، عن حبيبته الجميلة(بغداد) تلك المدينة التي لم تتمكن المتغيرات من تشويه صورتها في مخيلته(يطلع من خاتمِكِ الأزرق/ نهارُ شتاءٍ مشرقيّ./ ذلك هو اصبعُكِ البيضاء) وكذلك الى واصف مقتصد لأمكنة متخيلة، يبدو فيها المتن ككائن خرافي نصفه معقول والآخر غرائبي. وكأنه يواسينا بموارباته الجميلة، آخذا بنا الى عوالم متخيلة، يربت على أكتافنا، لعله يخفّف من وطأة معاناتنا جرّاء شراسة عالمنا الراهن، الذي يحاول أن يشوه سفر حبيبته المشرق(شمسٌ خفيفةٌ/ على أكتافِ القيانِ من روما/ يضوّعنَ بالخمرةِ/ على نهارِ فتيةٍ مصطبِحينَ/ برنّةِ عودٍ/ وبكلامٍ/ من عمربن أبي ربيعة/ وبعطرٍ/ من اصبعكِ البيضاء/ يثملونَ به). والاهداء يشير الى المحرض الأول لانجاز هذا الكتاب والذي تتحايث شخصيته مع شخصية منتجه، بوصفهما خلين معرفيين، فرّقهما موت أحدهما الشاعر(رعد عبد القادر). لذا تتعدد هيئات وجود(الشاعر/ السارد) الموجه لحراك أنساق النصوص، بين تخفٍ وظهورٍ وفق لعبة انبثاقات متنوعة في البنية المشهدية. وما يحسب للشاعر، رغم وفائه لوحدة الموضوع والمناخ العام، هو تمكنه من اغواء المتلقي- بتقانة مشغل بليغة- على مرافقته في رحلات نسقية طاردة للرتابة الجالبة للملل. وفي هذه الرحلات، يجري خرقا زمكانيا، يفضي الى تمظهرات مناخية مربكة لأفق التلقي، ومحرضة لاستجابات جديدة قائمة على الاستبصار التأملي للنص ومن ثّمَّ العالم. كما تظهر شخصية الشاعر أو خلِّه، بلبوس وأقنعة لشخصيات أخرى متخيلة مستلة من الفائت، تهدف لمنح شخوص النص بعدا أسطوريا، كما يتبين ذلك في هذا المجتزأ(وحتى إذا بَلَغَتِ الحمامةُ شيرازَ/ وبلَغَ الكتابُ الشاعرَ/ ففضَّهُ../ مات./ مات الشاعرُ/ وظلّتِ الشَعرةُ الذّائبةُ/ في لجينِ خاتمِكِ،/ وقد مهرَ الكتابَ،/ تطلعُ ورداً أسودَ/ يشرقُ على رابيةٍ/ في أرض شيرازَ/ حيثُ دُفِنَ الشاعر). في مفتتح جزء(رواية الهدهد) نصّ الشاعر على ما يلي(كان ذلك ما قد رواه الهدهد..) وبجملة الوصل هذه إشارة لما قبلها(نهر عباسي) ولما بعدها(رواية الهدهد) التي فاهَ بها وشرع يسرد تفاصيلها(حينما حطَّ على الشجرة،/ وحينما وقف تحت ظلَّها ملاكٌ/ هو ملاكٌ وهو فقير) الهدهد طائرٌ رويت على لسانه حكايات أسطورية شفاهية ومدونة حفل بها الموروث، والرواة الأوائل، أغرتهم عزلة هذا الطائر ووحدته على الشجرة، فراحوا ينسجون رواياتهم على لسانه. بهذا التناص الاستعاري، يرسم لنا الشاعر(عبد الزهرة زكي) صورة وقوفه أم

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

مطلع الشهر المقبل.. انطلاق معرض العراق الدولي للكتاب

بغداد/ المدى تنطلق فعاليات الدورة الخامسة من معرض العراق الدولي للكتاب، في الفترة (4 – 14 كانون الأول 2024)، على أرض معرض بغداد الدولي.المعرض السنوي الذي تنظمه مؤسسة (المدى) للإعلام والثقافة والفنون، تشارك فيه...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram