محمد سعيد الصكار عندما كانت أشجار النخيل في البصرة، في الحرب العراقية الإيرانية تشتعل ضفائرها، وقعتُ مريضاً، فعادني صديقي المفكر العربي فوّاز طرابلسي وسألني "ما الذي يوجعك يا محمد؟، قلتُ له: "البصرة توجعني"، ولو عاد فواز اليوم وسألني عما يوجعني لقلت له "الانتخابات توجعني".
والحق أنها توجع كل العراقيين، ولكون الوجع يعمّنا جميعاً، فلابدّ من التماس ما يخفف ضغط الدم وارتفاع مستوى السكّر وتعذر النوم الطبيعي، وهو ما يستدعينا إلى التماس ما يخفف عنها بالأحماض والتماس الطرائف التي تسهّل عبور المشاكل السياسية بانتظار ما تُسفر عنه زوبعة الانتخابات، ولنبدأ بالزمبرك المدوّر. (لفائف الربيع) هي أكلة صينية لا يفتقر منها أي طلب من الموائد الصينية الأساسية، لكونها من المقبّلات التي تبدأ بها قبل أن يأتيك الصحن، أو الصحون التقليدية الصينية. وهي عبارة عن لفيفة من رقائق العجين الني تحتوي على خليط من الخضار أو الروبيان أو الدجاج أو ما شاء الله مما تتفتّق به رؤية الطباخ الصيني الذي يأتيك بصحن أنيق يقطّع هذه اللفائف بشكل يغري بالتناول قبل مائدتك الأساسية، هذه اللفائف التي تستقرّ على مائدتك قبل طلبها. هي حضور صيني يستدرج إلى ما يليه من أطباق لا حدود لها من الاختيارات. على أن ما يبعث على الظرف أن هذه المسميات لهذا المقبّل اللذيذ تشترك كلها في معنى واحد بمختلف الترجمات، إلا بواحدة. فهي بالعربية (لفائف الربيع) كما أسماها الشاعر سعدي يوسف، وهي كذلك بالإنكليزية ( سبرنك رول)، وبالفرنسية (رولو دو برنتون)، وكلها ترجمة متطابقة لاسم هذا المقبّل الصيني الذي لا أعرف كيف يُلفظ بالصينية، ولعل أطرف ترجمة وقفتُ عليها في مطعم الإبراهيمي في ابو ظبي قبل خمسة عشرة عاماً، ووجدتها على حالها، لم تتغير قبل ثلاث سنوات، فهي (زنبرك مدوّر)، فــ (سبرنك) تعني (الربيع) كما تعني (النابض الحلزوني - زنبرك)، و(اللفائف والرول والرولو) تعني في مطعم الإبراهيمي (المدوّر)، يعني الملفوف أو المطوي. وفي فضول مني في معرفة لفظها بالصينية افتعلت زيارة للمطعم الصيني الشهير في پاريس (دراكون)، وطلبت وجبتي، وفي مقدمتها هذا (السبرنك رول)، فإذا هو (نسيته ويتعذر عليّ في برد باريس أن أعود إلى المطعم وأسأله). وعلى ما يحمله هذا (الزمبرك) من إيحاء بطعم المعدن، و (خشخشة) بين الأسنان، وإحساس بتوقّع كون شيء ما ينبض في الفم ويوشك أن يُفلت من بين الأسنان؛ أقول، مع ذلك، يظل هذا (الزمبرك) لذيذ الطعم والنكهة، كما وجدتُ الاسم لا يخلو من طرافة، فهو يحملنا على استظراف التسمية فنبتسم لها، وتنبسط لها أساريرنا، ونُقبل على المائدة بشهية لا تضيع معها الفلوس؛ وفي ذلك من حذق الترجمة ما يفوت على ياسين طه حافظ وكاظم جهاد وصلاح نيازي وابتسام عبد الله وعدوية الهلالي وشوقي عبد الأمير وعادل العامل وأساطين الترجمة في بلادنا؛ وهو، بعد، مثل يُقتدى في فن الإشارة والتلميح الذي خلت منه فنون البلاغة العربية رغم العلاقات الثقافية بيننا وبين الهنود وأهل الصين، ومن جرى مجراهم في قارتنا الآسيوية، على مر العصور. لفائف الربيع تحولت في أيامنا إلى لفائف الشتاء بعد أن تحولت الشوارع والبيوت والحدائق إلى فضاءات شاسعة من الثلج الجميل والمربك والتي لا يعلم إلا الله ما تحتويه هذه اللفيفة المخادعة، وما تنوي إليه. لفلفوا أمركم بانتظار لفلفة الانتخابات، ومن الله التوفيق. mohammed_saggar@yahoo.fr
أحماض قبل الانتخابات
نشر في: 9 فبراير, 2010: 05:02 م