TOP

جريدة المدى > عام > صدور كتاب رفعة الجادرجي عن (المدى)..إيقاع العلاقات في الصورة

صدور كتاب رفعة الجادرجي عن (المدى)..إيقاع العلاقات في الصورة

نشر في: 26 ديسمبر, 2016: 12:01 ص

احتفالاً بالذكرى 90 لميلاد المهندس المعماري المعروف د. رفعة الجادرجي، أصدرت دار المدى كتابا بعنوان "فوتوغراف رفعة الجادرجي". ضم الكتاب 69 صورة من بين 80 ألف صورة التقطها الجادرجي واثارت التفاصيل الفنية الكثير من الملاحظات حول اختياراته وزاوية الالتقا

احتفالاً بالذكرى 90 لميلاد المهندس المعماري المعروف د. رفعة الجادرجي، أصدرت دار المدى كتابا بعنوان "فوتوغراف رفعة الجادرجي". ضم الكتاب 69 صورة من بين 80 ألف صورة التقطها الجادرجي واثارت التفاصيل الفنية الكثير من الملاحظات حول اختياراته وزاوية الالتقاط والمراكز الموجود في الصورة ، وماذا يعني المركز ؟ وتحقق الكثير من التمحورات البلاغية والرمزية ، وهنا تبرز أمام القارئ ملاحظة مركزية وكبيرة للغاية حول الصور التي قالت عنها بلقيس شرارة بأنها تمثيل للروح العراقية الحية ، وتنوعات مجتمعية وخصوصاً الأحياء الفقيرة والشخوص المزروعين في عملهم اليومي وتلك الصور التي برع كثيراً في إبداء مهارته العالية في التعامل معها قد فاضت بالمعنى عبر الملاحظة الدقيقة والعميقة لها واغتنت برموز انفتحت على تعدد التأويلات وحيازة دلالات متنوعة.

وقد استحضرت مقولة رولان بارب عن الصورة ودلالتها المتنوعة . وتبدو أحيانا أكثر عمقاً في الثانية والثالثة من الدلالة الاولى ، والدلالات الثلاث نتاج صورة واحدة فقط. هذا ما يأخذنا نحو إشارات كثيرة لسوزان سونتانج أكدت على ان الفوتوغراف عميق وفي أحيان عديدة يفضي نحو عمق أكثر لانه محتشد بالرمز وتداخله مع عناصر واقعية أخرى تبدو في ملاحقتها أقرب إلى الرمز في الشيء المعيوش والعابر . وكل هذا حضر في فوتوغراف رفعة الجادرجي ، وتبدى في الصورة الاولى التي جعلها غلاف الكتاب الاول والثاني ومنحها فرصة أن تكون بالداخل وتمتعت بحضور كرسها فنياً ودلالياً وفاضت تنوعات التعبير وتصاعدت شعريتها وهذا ما سأحاول المرور عليه.
تبدّى لي بأن الفنان رفعة الجادرجي مولع بالمكان وهو العصب الحيوي للفوتوغراف الذي يمسك بالمكان ، لانه – المكان – يمنحه طاقة التعبير الشعري ويدفع به نحو الرمز ، في اللحظة التي يستدعي فيها المكان أشياءه المألوفة والمتعارف عليها فيلتقطها وتتشكل وسط مكانها اشارات ورموز تضفي على الصورة حركية، متأتية من تداخل موجودات عديدة ، هذا ما تمظهر في الاماكن المقدسة التي اهتم بها الفنان رفعة كثيراً لأنها كمقدس فيها بعض حيوي من المجال الانثربولوجي. والقراءة المتأملة لهذا الكتاب الغني ، ستكشف بان كل الاهتمامات الفنية المتمظهرة عبر الصورة هي استدعاءات انثربولوجية. وتكاد تكون التجارب الفوتوغرافية ذات القدامة التاريخية ممتلكة لهذا المجال ، لانها – الآن – نجحت في الايحاء سريعاً لذلك لأن الصورة الملتقطة قبل زمن بعيد جداً تتصاعد قيمتها الثقافية والفنية وعلاقتها بالعلوم الانسانية ، مثل الانثربولوجية وسوسيو – ثقافي ، وسوسيو – اجتماعي .. الخ. صورة الغلاف الاول والاخير التفاتة ذكية من الفنان أو المبدع الذي صمم الكتاب وجعل منها إطاراً كلياً للكتاب ، مثلما جعلها ذات حضور مماثل مع الصور الكثيرة ضمن الكتاب . انها الصورة رقم 69.
وتنطوي على مروية ساعدنا الفنان رفعة للدنو منها ، وهي التواجد في المكان المقدس . وحضور رجل الدين وسط صحن مرقد الإمام الكاظم ، لم يكن عابراً ، مثلما هو يحصل لشخص آخر . وقلت قبل الآن بان في الكتاب صور كثيرة عن المقدس كمكان واساطيره ومعتقداته حيث حاول الفنان ايجاد نوع من التوازن في اشتغالات المقدس المكاني وتصاعد رمزيته لأنه بالضرورة حاضن لعقائد وشعائر أدت نحو الاسطورة التي تبلورت أخيراً ، باعتبارها نصاً دينياً مقدساً .وهنا بودي الاشارة للمكان مرة أخرى وأذكر بحيازية على المقدس ، اولاً وثانياً لعب دوراً بانتاج عقائده وشعائره .
الرجل في صورة الغلاف غير عادي ، انه رجل دين ، وظيفته العمل في صحن مرقد الإمام الكاظم والعلامة الدالة على علاقته بالمقدس الزيّ الخاص بهم وأول هذه العلامات "الكشيدة" الزي الخاص بالرأس ، وهي احد الانواع الخاصة برجال الدين وثاني العلامات الدالة على وظيفته "الجبة" ذات الاكمام الطويلة وهي من أزياء الشتاء المعروفة والتي يتعاطاها رجال الدين والوجوه الاجتماعية ، ودائما ما تكون فضفاضة ، وهذا واضح في الثوب الذي يرتديه الرجل بأكمامه الطويلة والعريضة.
الصورة مثيرة للاهتمام، لان حركة الرجل وسط مكان فارغ وكانها جزء من مقطع فيلمي . في حركته المتوثبة ، المتحفزة وكانها انطلقت تواً ضمن فعالية للمشي سرعته واضحة من خلال انفتاح ردني جبته وجانبها الايسر وارتفاع اذيالها اليمنى.  الجبة ، الزي الدال على الوظيفة الدينية في الصحن المقدس لها دور في تشكيل نويّة جاذبة لمن يحدق بالصورة وهي اللون الاسود والابيض وكيفية التناغم مع المماثل له في الصورة التي انحرفت قليلاً باتجاه المشهد المكون من اتساع المكان وانعكاس اذيال الجبة المرتفعة بسبب الهواء المواجه لحركة الرجل ، وهذا ما يؤكده المظهر الامامي وحركته وانضمام ثوبه بين ساقيه وفخذيه حيث رسم طيات سوداء ربما لا تثير انتباه الآخر ، لكنها حاضرة ومتصلة مع الجانب الايمن لرأس الرجل . واتسعت مساحة السواد المتباعدة بعضها عن البعض الاخر ، ابتداءً من الكشيدة .. التي ضاع لونها الحقيقي وحازت السواد .
الحركة الايقاعية كاشفة عن حيوية الرجل وعنايته بهندامه ومسؤوليته الوظيفية وسط مكان مقدس جعلته اكثر اهتماماً بشخصيته ، اللحية المشذبة قليلاً والاناقة الظاهرة على فانيلته الداخلية البيضاء ، المتناظرة مع المكان الواسع القريب من البياض ، سعة ذاك المكان ، اضفت على الشخصية كثير من الصفات والمميزات التي تحدثنا عنها . والعين الذكية للفنان ومهارته في الاختيار والتجديد والالتقاط ، جعلت من رجل الدين كائناً ماهراً في انتظام حركته والايقاع المتمظهر بيسراه القوية بضغطتها على البلاط الابيض والتضاد الواضح مع لون الحذاء الاسود المعتني به . وابرز المكان رياضية الحركة عبر الحدود ذات السواد القليل بين البلاطات لكنه – السواد – تبدّى غامقاً ليتناظر بقوة مع السوادات الأخرى الموزعة على الزي وما أداه من تعتيم قليل على حدود البلاطة الساقط عليها ظل ذيل جلبابه (ان العلامات "الصورة ضمنها " هي الاساس الذي تقوم عليه رمزية الإنسان . انها الادوات التي مكنته من التخلص من العرضي والمتنافر والمتعدد واستعادته على شكل مفاهيم مجردة تكشف عن انسجامه ومعقوليته .. انها اشكال (كاسيرر) التوسط الالزامي في حالاته القصوى بين المرئي والرائي فنحن نتحكم في الاشياء عبر العلامات لتقطيعات النظرة ، لنستطيع بعد ذلك انتقاء العلامات التي تمكننا من الافلات من اكراهاته /غي غوبتي/ الصورة المكونات والتأويل /ت وت : سعيد بتكراد/ المركز الثقافي العربي / الدار البيضاء / بيروت /2012 / ص16
المسير المنسجم بحركته وإيقاعه ، جعل من رجل الدين واحداً ضمن سباق يميز نظام حركة الاطراف واتضاح الوجه الجزء الوحيد بالجسد يمنح الكائن آدميته . كل الوجوه مكشوفة الا المطلق ، هذا ما قاله "غي غويبي" وتنكشف الحركة الجزئية لاصابع يديه وانضمامها مع بعضها كما في اليسرى ، وانفتاحها في الاخرى وامتدادها قليلا بخط سواد ضعيف .
اخيراً تمثيل هذه اللقطة انموذجاً مهارياً ، في الصعيد الدقيق وغير القصدي ، انها صورة اللحظة المباغتة للكائن ، لذا تبدّى منكشفاً متجهاً للامام كما ظهر وربما هو غير ذلك .
لكن التواجد وسط الفضاء وايقاعه اثناء المسير يمنحنا قناعة بانه اختار التوجه نحو الامام .. ولم يكن متراجعاً لان شعرية الصورة اعادت صياغة انتاج الاتجاه. وكتاب "فوتوغراف رفعة الجادرجي" فيه ما يستدعي عودتي مرات .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

الحصيري في ثلاثة أزمنة

كلمة في أنطون تشيخوف بمناسبة مرور 165 عاما على ميلاده

الهوية والتعبير الاسلوبي.. مشتركات تجمع شاكر حسن واللبناني جبران طرزي

موسيقى الاحد: احتفاليات 2025

تنويعات في الوضوح

مقالات ذات صلة

الطفولة بوصفها السّاحةَ الّتي تتوالى عليها الأحداثُ والمجرياتُ الّتي يمارسُها المبدعون
عام

الطفولة بوصفها السّاحةَ الّتي تتوالى عليها الأحداثُ والمجرياتُ الّتي يمارسُها المبدعون

استطلاع/ علاء المفرجي تتواصل المدى في الوقوف عند محطات الطفولة والنشأة الأولى عند عدد من مثقفينا ورموزنا الفكرية، ومن خلال حواراتهم مع المدى، وتكمنُ أهمّيّة المكان والطفولة بوصفها السّاحةَ الّتي تتوالى عليها الأحداثُ والمجرياتُ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram