TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ليلة طهران

ليلة طهران

نشر في: 26 ديسمبر, 2016: 09:01 م

"جزء أخير"
عدنا إلى حيث نقيم، في ذلك الفندق لنعاود رحلتنا على خطى جدنا كلكامش للبحث عن عشبة دمشق.
قصدنا مكتباً لحجز تذكرتي سفر، لي ولصاحبي من جديد فتم ذلك بيسر.
توجهنا إلى مطار طهران الرئيس إذ أغلبية المسافرين مواطنون إيرانيون، وأغلبية الأغلبية رجال دين بعمائم سود وبيض، بينما أشهر (شارع ولي عصر) لم يزل يضج بمحال تجارية تعرض آخر صرعات الأزياء لكلا الجنسين.
لفتت انتباهي بنت جميلة جداً تبحث عن تاكسي. كانت إيرانية لأنها ترطن بالفارسية، متذمرة، بسبب الزحام وصعوبة العثور على تاكسي. الطريف إنها تمسك بمربع قماش طول ضلعه، تقريباً، بين ثلاثين إلى أربعين سنتمتراً تضعه على رأسها حجاباً!  
بسروالها الجينز وكعبها العالي وقميصها الحريري الأسود، الذي تركت منه زرين لم تزررهما، كانت تشبه جوليا روبرتس. لم يوقظني من شرودي معها إلا منبه سيارة تاكسي أوشك سائقها أن يدهسني. ولأنه توقف طلبت منه، بلغات إشارات العالم كلها أن تلك السيدة بانتظار تاكسي. شكرتني بحرارة وقفزت إلى داخل السيارة وأنا ألحس ألذ كلمة "شكراً" طيلة حياتي، لفظتها بالفرنسية: مرسيه!
لكزني صاحبي لأفيق من صدمة جوليا روبرتس الفارسية، بينما كانت طائرتنا تحلق في سماء طهران الملبدة بالكثير من الغيوم والحزن والحسناوات...والأرامل أيضاً.
نمنا في مقعدينا لكنني لا أعرف كم لبثنا. أفقت على أصوات هتافات وأدعية لأكتشف أن تسعين بالمئة من الركاب يصلون أما في ممر الطائرة أو في مقاعدهم. أشطرهم اتخذ من مطبخ الطائرة مكاناً مناسباً للصلاة. من يمنع مؤمناً إيرانياً في طائرة إيرانية من الصلاة حتى في قمرة الطيار؟كانوا يصلون ويهتفون: الله أكبر خميني رهبر!مرت أكثر من ست ساعات وطائرتنا في الجو بينما لا تستغرق الرحلة بين طهران ودمشق أكثر من أربع ساعات ونصف الساعة، أو الخمس ساعات حتى. كنت قلقاً جداً، لكنني لم أظهر ذلك لصاحبي الذي كان على بعض التطيّر. لنتأخر حتى الأبد. لكن جل ما خوّفني هو أن تكون الطائرة مختطفة إلى بغداد. نسأل من؟
أجابتنا مضيفة، أو مضيف، بصراحة لا أتذكر، بانكليزية جيدة بعد أن أخبرته (ها) بأننا لا نعرف الفارسية: "فارسي نميدنم": ألم تسمعوا الإعلان الداخلي؟ الطائرة عادت إلى طهران بسبب سوء الأحوال الجوية في مطار دمشق!
شكراً لله. إلى طهران ثانية ولا إلى بغداد.
لكن صاحبي، المستطير، أخذ يضرب رأسه بمظلة كانت معه وهو يتمتم: أرجعونا إلى طهران. وين مرجعينا لباريس لو لبراغ لو برلين؟.
أبلغونا أن نأتي غداً صباحاً للسفر من جديد.
لا فندق على حساب شركة الطيران ولا هم يحزنون. أو ولا هم يسافرون!
قصدنا فندقنا نفسه. قال حسين، صاحب الفندق أو مديره: لا توجد أسرة شاغرة. والحل، يا حسين؟
سأترك لكم غرفتنا التي نقيم فيها أنا وأختي. وبلا أجر. سننام عند أهلنا. بلغنا الشام، أخيراً، وها أنا أقبّل عشبة دمشق. على أن ضابط المخابرات السوري لم يشأ أن يسمح لنا بالخروج إلا بعد أن نعترف له بـ "من نحن؟" ومن أي حزب أو جماعة!
كنت اتفقت مع صاحبي أن لا نتبرع بمعلومات حزبية أو سياسية لسلطات المطار. هكذا التزمت والتزم.
كان الضابط شخصاً لطيفاً. لكنه أصر على "من نحن؟".
هنا دخل شخص عراقي عرفنا أنه مسؤول حزب كردي. يسأل عن شخص كان معنا على الطائرة نفسها ولما عرف أننا عرب من كردستان. هتف: جماعتنا الشيوعيين.
فهتف الضابط: مع السلامة. هذا يكفي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

 علي حسين اعترف بأنني كنت مترداً بتقديم الكاتب والروائي زهير الجزائري في الندوة التي خصصها له معرض العراق الدولي للكتاب ، وجدت صعوبة في تقديم كاتب تشعبت اهتماماته وهمومه ، تَّنقل من الصحافة...
علي حسين

قناديل: في انتظار كلمة أو إثنتيّن.. لا أكثر

 لطفية الدليمي ليلة الجمعة وليلة السبت على الأحد من الأسبوع الماضي عانيتُ واحدة من أسوأ ليالي حياتي. عانيت من سعالٍ جافٍ يأبى ان يتوقف لاصابتي بفايروس متحور . كنتُ مكتئبة وأشعرُ أنّ روحي...
لطفية الدليمي

قناطر: بعين العقل لا بأصبع الزناد

طالب عبد العزيز منذ عقدين ونصف والعراق لا يمتلك مقومات الدولة بمعناها الحقيقي، هو رموز دينية؛ بعضها مسلح، وتشكيلات حزبية بلا ايدولوجيات، ومقاولات سياسية، وحُزم قبلية، وجماعات عسكرية تنتصر للظالم، وشركات استحواذ تتسلط ......
طالب عبد العزيز

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

سعد سلوم في المقال السابق، رسمت صورة «مثلث المشرق» مسلطا الضوء على هشاشة الدولة السورية وضرورة إدارة التنوع، ويبدو أن ملف الأقليات في سوريا يظل الأكثر حساسية وتعقيدا. فبينما يمثل لبنان نموذجا مؤسسيا للطائفية...
سعد سلّوم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram