TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > بلاد، كلُّ ما فيها بندقية

بلاد، كلُّ ما فيها بندقية

نشر في: 27 ديسمبر, 2016: 09:01 م

 لا جديد في قضية اختطاف الصحفية أفراح شوقي، أبداً. هذا وطن يُخطتفُ أبناؤه كل ساعة، ولا نجد فرقا بين من يتخطفه الموت على أيدي داعش، في الموصل والذين يخطفهم المسلحون المجهولون(المعلومون) في بغداد والبصرة وغيرها، وهذا ما ألفناه منذ عقد ونصف، في عراق ما بعد الدكتاتورية. ومن يعتقد بانَّ حياته آمنة، كاملة الأمان، في الجنوب وهو محاط بعشرات المكاتب الحزبية المسلحة في الخفاء، وغير المسلحة في العلن، فهو واهم كبير، ثم أي معنى للطمأنينة هذه التي يتوخاها المواطن، وسط مئات الآلاف من قطع السلاح، وبين مئات الأكداس من البارود والرصاص، ما مخبأ منه في المقرات، وما مدخر منه عند العشائر، وهل ثمة فرق كبير بين المنتمي للحزب السياسي المسلح، وبين الفرد في العشيرة، وهو المنتمي ضمنا لأحد الاحزاب هذا؟
  واضح أن الحكومة العراقية بأجهزتها الأمنية غير قادرة على فعل شيء، فهي في فهم صائب منها، جزءٌ من القوة المسلحة التي تعمل في الليل، ومهما بالغنا في نزاهة قياداتها، فإننا لن نجزم بمقدرتهم على الإمساك بالمنفلت من رجالاتهم، وهم كثر. وها نحن نقرأ المعاني الجلية التي تخبرنا بها تقارير الشرطة، والتي غالبا ما تشير الى وجود عنصر أمني في 80% من العصابات التي يتم القاء القبض عليها بالجرم المشهود، في عمليات الخطف والتسليب والقتل.
  لا تجرؤ مجموعة تقليدية، أي مجموعة على امتهان القتل والخطف والتسليب ما لم تؤمن لنفسها غطاءً، هو واحد من ثلاثة : هوية في حزب، أو بندقية في مليشيا، أو ظهيرا في عشيرة، وهذا ما نلمسه بشكل يومي في الجنوب. حتى الخصومات المسلحة وغير المسلحة التي تحدث بين أبناء المدينة يستعان عليها بواحد من هؤلاء الثلاثة. بالأمس تكشفت تفاصيل مقتل المدعو( أ.ن) المؤذن في أحد المساجد السُنية، فقد كانت أصابع الاتهام توجّه الى إحدى التنظيمات المسلحة، لكن، تبين انَّ القتلة إنما قاموا بفعلتهم هذه، بعيداً عن التشدد والبعد الطائفي، هم قتلة ولصوص وزناة لا أكثر.
  حين يجمعك مجلس ما بمجموعة من شيوخ العشائر، ستسمع كلاماً غريبا، لم تسمع به من قبل أحداث الموصل وداعش، حديث، ملخصه أنَّ بيت فلان قتلوا واحدا من بيت فلان، لكنْ، تبيّن أنَّ شقيق المقتول من بيت فلان، كان (صاعد)-يعني في الحشد- وهو شخصية بارزة مع فلان الفلاني، رئيس الـ.... وهسه راح تصير الكعدة مالتهم بمقر المنظمة، وبس الله يستر. والكلام يتقلب بنحو من هذا وذاك، لتقف على لغة جديدة ومخاوف جديدة ونهايات غير متوقعة، وقد يحظى احد الفريقين بشخصية قيادية عاقلة تحتوي الموضوع، لكن ذلك نادرا ما يحصل، فقد قام منطق جديد للقوة، واستجد مشهد للتهديد والقهر والاذلال، منطق تخرج الدولة منه، وتكتفي بما يتوصل اليه الفرقاء.
  بسبب فقدان المواطن التقليدي لشعوره بالامن، تخلى العشرات والمئات من أهل السنة في البصرة عن عشائرهم وقبائلهم، وانتموا الى قبائل شيعية، وذهب البعض منهم الى أبعد من ذلك فصاروا مع عشائر المعدان، في سعي ومحاولات للاحتفاظ بحياتهم، ووقف العشرات منهم في السوق وأمام بيوتهم، يبيعون الرايات والصور الحسينية ويطبخون الهريسة، كل ذلك من اجل ان لا يشعروا بالاذلال والمهانة، وربما القتل، فالزمن ليس زمانهم، إذ ان الخوف من القهر والمهانة تحيق بالشيعي، العلماني، غير المنتمي لحزب، فكيف بالسني الذي ليس له من هذه وتلك ظهيرا أو سندا. لا يختلف حال الصحفي والمثقف والمتظاهر المدني عن أحوال الأقلية الدينية-السياسية، في بلاد كل ما فيها بندقية.      

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. سعيد فرحان

    المن تودي الحجي وتتاعتب ويا من بالامس كان لي وطن واليوم صار لمن ؟ تحياتي واعجابي استاذ

يحدث الآن

عمليات بغداد تغلق 208 كور صهر و118 معمل طابوق وإسفلت

أسعار الصرف اليوم: 143 ألف دينار لكل 100 دولار

ترامب: أوقفتُ 8 حروب وأعدتُ "السلام" للشرق الأوسط

الأنواء الجوية: انتهاء حالة عدم الاستقرار وطقس صحو مع ارتفاع طفيف بالحرارة

حصار فنزويلا ينعش النفط… برنت وغرب تكساس يقفزان في آسيا

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram