TOP

جريدة المدى > سينما > بيلا تار.. نظرة على سينماه

بيلا تار.. نظرة على سينماه

نشر في: 29 ديسمبر, 2016: 12:01 ص

(1-2)
بأسلوبه المائل للكوميديا السوداء، حول المخرج الهنغاري بيلا تار – المايسترو الحداثي لبقايا سينما الابيض والاسود- المناظر الطبيعية لبلاده المجر في مرحلة مابعد الشيوعية الى خلفية اساس في كادراته للتعبير عن شعور الوحدة والاضمحلال. افلامه يغم

(1-2)

بأسلوبه المائل للكوميديا السوداء، حول المخرج الهنغاري بيلا تار – المايسترو الحداثي لبقايا سينما الابيض والاسود- المناظر الطبيعية لبلاده المجر في مرحلة مابعد الشيوعية الى خلفية اساس في كادراته للتعبير عن شعور الوحدة والاضمحلال. افلامه يغمرها الدخان والضباب والمطر، وبنفس القدر تتلبد وجوه أبطاله بتعابير الكآبة والفكر السارح والافراط بالشراب. بعد فيلمه (حصان تورينو) قرر التقاعد عن عمل الافلام، وفي هذا الحوار الذي اجراه معه الناقد آر. أيميت سويني يستعرض مجمل مسيرته السينمائية.

* هل يمكنك ان تروي لنا عن انضمامك الى ستوديو بيلا بالاش، وكيف أتاح لك ذلك صنع فيلم (عش العائلة-1979)؟
- الامر كان سهلا، اردت فقط ان اعمل فيلما، وكان المكان الوحيد الذي يسمح بذلك دون شرط الشهادة. قالوا لي، نعم يمكنك المحاولة، وأعطوني قليلا من المال. صورت الفيلم في خمسة أيام، وبلغت كلفته نحو 10 الاف دولار.
* الممثلون كلهم كانوا غير محترفين، ومن الطبقة العاملة في المجر. كيف وقع الاختيار عليهم للعمل في الفيلم؟
- كنت على معرفة مسبقة بهم قبل ان ابدا بالفيلم. لطالما كنت قريبا لهذه الشريحة من الناس. سبق لي العمل في مصنع للسفن، ودائما ما كنت قريبا للبروليتاريين البائسين والقبيحين. رغبت في اظهار روتين حياتهم اليومي. سعيهم من اجل عيش افضل. لقد عملت في مصنع مابين أعوام (1973- 1976)، حتى أُصبت في ظهري ولم اعد قادرا على العمل البدني.
 * ما الذي جعلك مهتما بصناعة الافلام وأنت القادم من هذه الخلفية العمالية؟
- دائما ما احببت السينما، ولطالما عشقت الذهاب لمشاهدة الافلام. ولكن ما رايته هناك كان مجرد أكاذيب غبية وقصصا ملفقة. لم اشاهد أبدا الحياة، ولم ار اي شيء عن الناس الذين اعرفهم. لم ألمس اي عاطفة حقيقية او مشاعر صادقة او عملا لافتا للكاميرا. لم اشاهد فيلما يمس الواقع. فكرت مع نفسي، حسنا، اذا لم يستطيعوا ابهاري، فعلي اذن ان اصنع فيلمي الخاص.
* كيف رأيت افلام هوليوود او افلام بلدك؟
- كل شيء وفي اي مكان هو الامر ذاته. الطريقة السخيفة لسرد الحكايات هي نفسها في كل مكان. هذا هو السبب الذي دفعني لأصنع افلامي.
* عندما أخرجت فيلم الدخيل (1981)، كيف عثرت على الممثل المؤدي للدور الرئيسي اندراس زابو؟ لقد أمتلك وجها رائعا.
- كان موسيقيا، ولم يسبق له العمل في السينما مطلقا. عليك ان تعلم بأني لا أهتم سواء عملت مع نجم سينمائي كبير، او شخصا من المصنع المجاور. أنا ابحث عن شخصياتهم، كيف يتفاعلون... وحين أختارهم أحاول ايجاد الى اي مدى يظهرون فيه كبشر حقيقيين. عندما نصل الى اوضاع انسانية تمس واقع الحياة بالمشهد، أطلب منهم ان يتصرفوا على سجيتهم كما يفعلون كل يوم بحياتهم الشخصية. عليهم ان يكونوا بحالهم الطبيعي والمعتاد. مثل الراقصين. لو ان احدهم بدا بالتمثيل في فيلم لي، اصاب بالجنون وأوقف التصوير، واقول له "حسنا، تمثيلك لطيف وجيد، لكن ليس في هذا الفيلم. أنا أهتم بدواخلك أكثر مما تُظهره لي من أداء".
* زابو جسد هذا النهج، بهدوئه العميق عبر عن الكينونة البشرية بدل التمثيل. أين ألتقيت به؟
- كنت اشاهد احدى حفلاته وبعد ذلك طلبت منه العمل معي.
* كيف تصف العمل مع أغنيس هرانتسكي في فيلم الدخيل وبقية افلامك؟ في لائحة طاقم العمل مدرجة كمونتيرة ومساعد مخرج؟
- الامر بسيط، أنا من يضع أسس العمل، سواء المتعلقة بالمكان او الاستعدادات الاخرى. منذ البداية فضلت ان يكون هناك –مكان التصوير-، لأن كل الاشياء تحدث بذات الوقت في الموقع، وهي لديها النظرة الثاقبة. دائما كان بمقدورها رؤية الشيء الخطأ. انه لأمر مفيد جدا مشاهدة فيلم بأربع عيون بدل اثنتين.
* في فيلم (الناس الجاهزون 1982)، قررت العمل مع ممثلين حقيقيين، لماذا؟
- (الناس الجاهزون) كان فيلمي الاول الذي أعمل فيه مع ممثلين محترفين، وتلك هي اللحظة الاولى التي انتقلت فيها من تصوير النظرة الاجتماعية الى التقاط العلاقات الانسانية لزوجين. كانا زوجين في الواقع –الممثل روبرت كولتايي وزوجته الممثلة جوديت بوغاني-، سعيت للعمل معهما لأني أحببتهما، وكانت لدي الرغبة بمشاهدة شخصياتهما عن قرب.
* حدثنا عن الانتقال من اسلوب الواقعية الاجتماعية لأفلامك الاولى الى التشكيل الفني في فيلم ماكبث (1982).
- أنا لا أحبذ مصطلح (الواقعية الاجتماعية)، ان قيامك بعمل فيلم هو صنع للخيال. شيء يبدو لك حقيقياً ولكنه بالطبع ليس كذلك لأنه مختلق. بالنسبة لي هي ليست افلاما سياسية. الفن الحقيقي وجد ليعرض العلاقات والظروف الانسانية الواقعية، وهذا ما احاول القيام به.
*ما الذي جذبك لماكبث؟
- عندما ألتحقت بمعهد السينما، أستاذي قال بأن عليَّ اجراء نوع من الاختبار، وذلك بتصوير فيلم بموضوعة كلاسيكية مختلفة عن أسلوبي ونمطي. فكرت وقلت حسناً، سأختار ماكبث. وكانت شخصيته مفاجأة كبيرة بالنسبة لي. علي اية حال، استطعت انجاز الفيلم، وصدقاً لقد أحببت العمل فيه. أحببت اشتغالي عليه لأن هوسي المعتاد قد ظهر حينما ترددت أسئلة عن ماهية العلاقة بين الرجل والمرأة؟ ما الذي يحدث بينهما؟ اخذنا فقط نصف المسرحية، لأني كنت راغباً بالتركيز على هاتين الشخصيتين. ما هي اهتماماتهما؟ كيف هي طبيعة العلاقة الجنسية بينهما؟ الكثير من الامور اجتمعت. وبالطبع صورت الفيلم كله بلقطة واحدة، لأنه كان فيديو وباستطاعتنا فعل ذلك. لقد استمتعت به.
* كان شيئا مثيراً للاعجاب ان نستطيع كمشاهدين رؤية تنفس الممثلين كما لو أنهم فعلا في برد المشرحة. أين صورت الفيلم؟
- في نهاية المطاف قدم لنا التلفزيون الحكومي يد المساعدة، وهو ما وفر لنا دعماً نوعياً احترافياً. صورنا في قلعة بمدينة بودابست. كان فيها قبو طويل جداً، أستطعنا التصوير فيه.
* كم أستغرق وقت التصوير؟ وكم عدد اللقطات؟
- في البداية تدربنا لفترة، وأظن أننا صورنا عشر لقطات. لم نستطع ان نصور أكثر من لقطتين في اليوم –بسبب طول اللقطة- لأن الجميع بعد هذا الجهد كان مستنزف الطاقة ومتعباً. أعتقد انها كانت ثماني لقطات على الاصح. في نهاية المطاف أخترت الافضل منها.
* مثل فيلم تقويم الخريف ( 1984) خطوة أخرى نحو أسلوب التشكيل الفني بعد ماكبث. هل صورته في الاستوديو؟
- التصوير تم في شقة كنت أستخدمها كأستوديو. اردنا ان تبدو مزيفة، أشبه بكاتدرائية من الاكاذيب. فالحكاية كانت حول أهتمامات الشخوص وكيف يخونون ويتشاجرون مع بعضهم البعض. وكذلك عن الكيفية التي يتسبب بها المال اللعين وما شابه من اهتمامات مادية في تدمير حياة الانسان.
* الشخصيات ظهروا كأنهم موتى أعيدوا للحياة، ليطوفوا في الفراغ. كانت هذه المرة الاولى التي عملت فيها مع ميهالي فيغ، والذي بدت موسيقاه الثقيلة منسجمة الى حد كبير مع افلامك.
- كان عضواً في فريق للروك أندرول، ولديه بعض الموسيقى الجميلة حقاً، لذلك فكرت مع نفسي وقلت لم لا، لنجرب الامر. وكما تعلم فميهالي كان شاعراً، ورجلا شديد الذكاء.
* فيلمك التالي كان (الادانة -1988)، وهو تعاونك الاول مع لازلو كرانزناهوركاي. كيف كان اللقاء والتفاهم حول مشروع الفيلم؟
- كان لي صديق يعمل استاذا في الجامعة، وصادف انه كان يقرأ بمخطوطة (شاتانتانغو)، رواية لازلو الاولى، أتصل بي وقال ( لدي كتاب جميل، سيكون مفيداً لك)، ثم اوضح انه اول كتب لازلو، وهكذا تسنت لي قراءته. عندما اطلعت عليه، وقعت في حب الرواية مباشرة. بعد ذلك اتصلت بلازلو، وجلسنا سويا، ثم، ولا اعرف كيف حدث ذلك، كانت نقاشاتنا الاولى متوافقة تماما بالاراء. وهكذا اصبحنا اصدقاء.
رغبنا في تحويل الرواية الى فيلم فوراً، لكن لم يسمحوا لي بذلك، كنت في حالة يرثى لها. لم تتبق لي اي فرصة للعمل في هنغاريا، لأن السياسيين لم يعجبهم فيلم (تقويم الخريف)، قالوا انه منحط وقبيح وقذر. كان ذلك غباء منهم. على اية حال، فكرنا ان نعمل شيئا اخر، وخطر لي ان نقدم شيئا بسيط، وهكذا كتبنا ما اصبح فيلم (الادانة). ذهبنا به الى المعهد الهنغاري للسينما ودائرة ارشيف السينما الهنغارية، أعطونا مبلغا صغيرا من المال، كما سهلوا لنا استخدام معداتهم ومنشآتهم لأنتاج الفيلم. وهكذا بطريقة او بأخرى استطعنا انجازه. كان فيلما بميزانية منخفضة جداً، لكننا امتلكنا حرية العمل كمستقلين بعيدا عن رقابة الدولة.
* فيلم الادانة احتوى على عناصر لفيلم نوار، هل تأثرت بأفلام النوار الامريكية؟
- لا على الاطلاق. لو تسنى لك الذهاب لأي مدينة هنغارية صغيرة، مدينة لعمال المناجم مثلا، فلن تكون بحاجة لأفلام النوار الامريكية. ستجد الاشياء على حقيقتها.
* الشخصية المحورية في فيلم (الادانة) واحدة من مثيلاتها التي تتكرر بأفلامك ضمن اطار المراقبة السلبية للحدث (مثل شخصية الدكتور بفيلم شاتانتانغو)، فبدلا من ان يوصل الرزمة بنفسه، وهو ماسيفعله ضمن السياقات التقليدية لأفلام الجريمة، يمرر ببساطة المهمة لشخص اخر ومن ثم يراقب من بعيد.
- كما قلت مسبقاً، هي حكاية بسيطة جداً. ولكن الامر لايتعلق بالقصة. لقد رغبت بأظهار ما هو أكثر من الحكاية بحد ذاتها، فكل القصص تتشابه. ولكني حقيقة احب الناس، وأسعى في افلامي لتقديم تفاصيل عيشهم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

"إرنست كول، المصور الفوتوغرافي".. فيلم عن المصور المنفي الجنوب أفريقي

مقالات ذات صلة

فيلم أسامة محمد
سينما

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

علي بدرالحكاية تُروى بالضوء والظلعرض أمس في صالون دمشق السينمائي فيلم "نجوم النهار" للمخرج السوري أسامة محمد، بحضوره الشخصي بعد غيابه عن بلاده ١٤ عاما، الفيلم الذي منع من العرض في زمن النظام السابق...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram