انشغلت الحكومة والكتل السياسية، طيلة عام 2016، بمعالجة أخطاء "حزم الإصلاحات" التي أطلقها رئيس الوزراء في صيف 2015، ثم عاد إليها مطلع هذا العام عندما فجّر قنبلة "التعديل الجوهري".
كانت الفاتورة باهظة الثمن وقاسية نوعاً ما. لأننا، ببساطة، ندفع ثمن أخطاء أطراف لا تملك رؤية واضحة لإنهاء الفوضى السياسية والامنية التي تشهدها البلاد منذ 2003. لا بل إن تكرار هذه الاخطاء ينذر بتكريس هذه الفوضى عبر فتح الابواب أمام مشاريع التقسيم المدعومة محليا وإقليميا.
وما ضاعف كلف هذا العام، تزامن هذه الأخطاء مع حرب ضروس ضد الإرهاب، وأزمة مالية خانقة استنفدت 50% من احتياطنا من العملة الصعبة، واعادتنا الى نادي المديونة العالمي.
لقد بدأنا العام المنقضي بمعالجة آثار حزم الإصلاحات التي أقرها البرلمان بأغلبية تاريخية، في آب 2015، وعاد لسحب ورقتها من يد رئيس الوزراء بضغط من ذات الكتل السياسية التي صوتت لصالحها.
أقيل نواب رئيسي الحكومة والجمهورية تماشياً مع الإصلاح وترشيد الأداء الحكومي، ونزولاً عند مطالبات الشارع وبعض الاطراف السياسية. نُفّذ الشق السياسي من الإصلاحات، لكن تم تناسي باقي البنود المتعلقة بالامن، والاقتصاد، والخدمات. فلم يسأل الجميع عن مصير أزمتنا المالية، وتكاليف حرب التحرير ومتطلبات النازحين، ولم نسمع، ولو همساً، رؤية الحكومة وبقية الاطراف حول تحسين الخدمات.
وما أن خرجنا من دوامة الإصلاحات حتى وجدنا أنفسنا وسط دوامة "التعديل الجوهري". فقد انخرط قادة الكتل بتقديم نسخهم الخاصة عن "التعديل الجوهري" الذي أطلق صافرته رئيس الوزراء في شباط الماضي. هل ننسف "المحاصصة"، أم نقوم بترميمها؟ هل يشمل التعديل جميع الكابينة "شلع"، أم سيقتصر الامر على التخلص من وزراء لايشعر معهم رئيس الحكومة بالانسجام؟ لماذا يستثني التعديل الجوهري رئيس الحكومة نفسه؟ لماذا لا نلجأ لستراتيجية الـ"شلع قلع"؟
هذه خلاصة الجدل السياسي الذي شغلنا، وانشغلنا بمتابعة فصوله، حتى حُسم نزاع القوم باقتحام مبنى البرلمان ومكاتب الحكومة وسط المنطقة الخضراء، في آذار ونيسان الماضيين.
وكالعادة، وخلال الاشهر التي تلت الاقتحامات، تناسى الجميع "التعديل الجوهري"، وشرعوا بمعالجة فاتورة الفوضى التي وضعتنا أمام برلمان بـ 3 رؤساء منقوصي الشرعية، ونصف حكومة تجهد لإكمال النصاب بالحيل القانونية، لتمشية أمور الدولة.
لقد استغرقنا النصف الثاني من عامنا المنتهي لإعادة الاستقرار الى السلطتين التشريعية والتنفيذية اللتين تعرضتا لأخطر هزة منذ 2003. فلم نشهد فراغاً دستوريّا كالذي عشناه بفعل تعطيل مجلس النواب والإطاحة برئيسه، وإقالة العبادي لبعض وزرائه نتيجة ضغوط بعض الاطراف السياسية. ورغم ذلك، فما زالت الحكومة تعاني من شغور 5 وزارات، بضمنها وزارتا الداخلية والدفاع.
لقد أضعنا عاماً كاملاً في تسديد فاتورة قرارات تم اتخاذها بعجالة تحت وطأة تظاهرات بدأت إصلاحية، لكنها انحرفت عن المسار، وتحولت، بفعل الاستقطاب، الى أداة لتصفية الخصومات. وما الاحداث التي شهدتها المحافظات الجنوبية، مؤخرا، بين حزب الدعوة والتيار الصدري، إلّا فصل آخر من الصراع بين الفرقاء السياسيين.
لكن التطورات المحلية والإقليمية، التي شهدناها في الشهور الاخيرة، نجحت بتخفيف وطأة هذا العام الثقيل. فهزائم داعش في العراق وسوريا، واتفاق دول أوبك على خفض الإنتاج النفطي، بدأت تتكشف عن تشكيل اصطفافات إقليمية ودولية من شأنها أن تصبّ في صالحنا.
في موازاة ذلك، فإن الانفراج السياسي الذي تشهده الساحة العراقية، مؤخرا، يبشر ايضا بتبديد الاستقطاب الطائفي، وإغلاق صفحة الخلافات، أو حتى خفض تكاليفها على أقل التقادير.
عام تصحيح الأخطاء
[post-views]
نشر في: 28 ديسمبر, 2016: 07:08 م