TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > شيزوفرينيا

شيزوفرينيا

نشر في: 2 يناير, 2017: 09:01 م

انتقد أحد الأصدقاء في صفحته على الفيس بوك مبالغة العراقيين في التعبير عن بهجتهم باستقبال العام الجديد، مشيرا الى تزامن ذلك مع تفجيرات حصلت في نفس اليوم راح ضحيتها عدد من الأبرياء والى هموم متراكمة مازالت تخنق الجميع وتنغص عليهم لحظات يتفق كل العالم على استقبالها بالفرح ..ردا على المنشور انبرى البعض لانتقاد العراقيين ووصفهم بانفصام الشخصية والجنون والضياع والهروب والتخبط، وكأن الحزن والانكفاء على الذات صار قدرا ملازما لهم حتى في المناسبات السعيدة منذ ان دأبوا على توديع ابنائهم الذاهبين الى جبهات القتال ليعودوا في نعوش ملفوفة بالعلم العراقي، وحتى صار معتادا لهم ان يلملموا اشلاء موتاهم بعد كل انفجار ويحمدوا الله انهم لم يكونوا في نفس موقع الانفجار ساعة حدوثه !!
عندما انتهت الحرب العراقية –الايرانية في الثمانينات ، مارس العراقيون طقوس فرح مجنونة ..تجرد بعضهم من ملابسه ، وتراشقوا بالمياه ..ارتدت بعض العجائز ثيابا ملونة ورقصت اخريات في الشوارع ..ظن العراقيون وقتها انهم يودعون سنوات الموت والألم ويطوون صفحة سوداء ليبدأوا صفحة جديدة ..لم يتوقعوا ان هناك حروبا اخرى بانتظارهم وان الأيام المقبلة حبلى بآلام اكبر وموت لانهائي ...وحين عاشوا سنوات اخرى اكثر ايلاما وفقدوا العديد من الأحبة وفقدوا معهم الإحساس بالأمان والثقة ببعضهم البعض بات الفرح شحيحا وصارعليهم ان يتجردوا لامن ثيابهم بل من تعقلهم ليصنعوا فرحهم الخاص...وهكذا فعلوا وهم يستقبلون عاما جديدا فقد تعلقوا بأهداب الجنون ليتشبثوا بالحياة وليمارسوا فلسفة زوربا اليوناني في مواجهة الحزن والألم بالضحك والرقص ، فهل يعني ذلك انهم لايعبأون بالانفجارات ولايشعرون بمعاناة النازحين ولايهمهم ان يظل بلدهم تحت رحمة من يقضم بهجته بنهم ويقوده نحو الخراب والانهيار بخطى حثيثة ؟...لاأظن ذلك ، فالعراقيون ادمنوا الموت حتى اصبح رفيقا لهم ولأن "الموت موجود لابوصفه نقيضا للحياة بل بوصفه جزءا منها" كما يقول الكاتب الياباني هاروكي موراكامي فلايجب أن نلومهم عل اختلاق الفرح او التعبير عنه بمايشبه الجنون فهذا لايعني اصابتهم بـ "الشيزوفرينيا" بل انتظارهم لحدوث تغيير ما في وتيرة حياتهم..
لقد يئس العراقيون من قدوم حكومة تمحو آلامهم السابقة وتمنحهم حياة افضل ومستقبلا اجمل فصاروا ينتظرون قدوم الأعوام الجديدة عسى ان تحمل معها التغيير الذي ينشدونه ..لايمكن لهم ان يتوقفوا في محطات الجزع والحزن واليأس مادامت الحياة مستمرة ..لكن مشكلتهم الوحيدة انهم لايجيدون استخدام الوسائل المعقولة للتغييرمن اصوات انتخابية فاعلة ورفض لكل من يسهم في تأخير وتدميرالبلد ، ويلجأون الى وسائل لامعقولة في ممارسة فعل الفرح الفاضح في وضح الألم ...
لعلهم يؤمنون بما يقوله اطباء علم النفس حول استقبال العام الجديد بالضحك للتخلص من الهموم وتقليل الأمراض ، لكن الأمر فاق الضحك الى الصخب والمبالغة في اطلاق الألعاب النارية لدرجة وقوع اصابات عديدة ..وفي كل الأحوال ، فهم يحاولون ان يشعروا بانهم مازالوا أحياء قبل ان يصبحوا رقما في قائمة ضحايا الانفجارات او ان يعودوا الى اهاليهم في نعوش ملفوفة بالعلم العراقي ..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

عمليات بغداد تغلق 208 كور صهر و118 معمل طابوق وإسفلت

أسعار الصرف اليوم: 143 ألف دينار لكل 100 دولار

ترامب: أوقفتُ 8 حروب وأعدتُ "السلام" للشرق الأوسط

الأنواء الجوية: انتهاء حالة عدم الاستقرار وطقس صحو مع ارتفاع طفيف بالحرارة

حصار فنزويلا ينعش النفط… برنت وغرب تكساس يقفزان في آسيا

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram