في ظل الغياب الواضح لدور المؤسسات الثقافية الحكومية خاصة، برزت في بلادنا المبتلاة ظاهرةٌ جديدة، مفادها أن جهات مختلفة، تزعم انها تعمل في قطاع الثقافة، أو تتبنى مشاريع ثقافية، تقوم بمنح جوائز تقديرية وتشجيعية لأسماء تختارها هي، او يتم اختيارها عبر اتصالها بأشخاص معينين، حيث يتم زج أسماء ما أنزل الله بها من سلطان مع اسماء معلومة في الوسط الثقافي بمنجزها كغطاء شرعي لفعل مثل هذا. ما يهمنا في ذلك هو عدم وضوح برامج ومشاريع الجهات هذه، ومن ثم الشبهات في اختيار الأسماء، فضلاً عن ما يسمى عندهم بالاستفتاء.
يكتب الزميل جمال علي الحلاق في صفحته على الفيسبوك قائلاً: "اتّصلَ بي أحدهم قال : لقد تمّ تكريمك الليلة ، ولأنّك لم تكن حاضراً فقد استلمتُ تكريمك نيابة عنك، باعتباري صديقك الحميم . قلت : ومن قال إنّك صديقي ؟ قال : هم قالوا ذلك ." بمثل هذه يمكننا الحديث عن ما يصيب الثقافة من أوبئة وتخريب، مَنْ الجهة التي كرمت، ومن زج اسم الزميل الحلاق، وكيف اصبح الذي تسلم الجائزة صديقاً له. يحدث ذلك في الدولة العراقية، وفي وقت اختلطت فيه اوراق الداخل والخارج، صاحب النيّة الحسنة ذو المشروع الثقافي التنويري الحق، مع صاحب الضمير الأسود، ذي المشروع التدميري، الذي وجد الثغرة واسعة في بوابة الثقافة امامه ودخل منها.
معلوم أن قضية الاستفتاءات التي تجريها بعض الصحف والمنظمات إنما تعمل بتكليف من قبل مراكز بحثية متخصصة، وهي مراكز معلومة في البلاد، ومعتمدة من قبل منظمات دولية ومحلية، وهي التي يركن اليها في الاستفتاءات واستخلاص النتائج لأي نشاط يراد معرفته، وتتم عبر قوائم يقوم بتوزيعها نفر معنيون، حيث يتم اختيار شريحة معينة او جامعة ما، او ضاحية من ضواحي المدينة، وهكذا ستصبح آلية الاستفتاء قد انجزت ضمن المعايير المعلومة، وهذا ما نشاهده في الانتخابات مثلاً، وما تقوم به المراكز البحثية تلك. أما أن تقوم منظمة ما، ولدوافع معروفة سلفاً باختيار شخصية كافضل بائع أقمشة، او افضل محصّل، او بنجرجي فهذا ما يحدث اليوم.
ومثل ذلك ما قامت به إحدى الجهات، التي دخلت البصرة قبل نحو من اسبوع، والتي حمل صاحبها مشروعاً سياسياً واضحاً، اعلن عنه في حديث مع احد الزملاء الفنانين، والذي اوضح فيه بقوله إنه موعود بمنصب وزاري كبير من قبل جهة سياسية نافذة ومعلومة، وما مشروعه في تكريم الفنانين والمثقفين في البصرة إلا الجزء الأول من مشروعه في ايصال صورته وصوته للنخب المثقفة في المدينة، بغية استعداده لدخول معترك الانتخابات وحصوله على المنصب. ويحدثني زميل آخر في احدى التشكيلات الثقافية في البصرة، بأن الديباجة التي حملها صاحبها جاءت على النحو التالي : بحضور مبدعي ومثقفي البصرة الفيحاء تتشرف اللجنة العليا لمهرجان الـ....العربي بتكريم مبدعي ومثقفي البصرة بدرع الابداع...ثم يتم إدراج قائمة طويلة بنحو مئة اسم، اختلط فيها الغث بالسمين، والمأنوس بالغريب والوحشي. يقول زميلي : قلت للجهة التي تبنت مشروع التكريم بأن التكريم هذا لا يعني شيئاً لمثقفي البصرة، ولانحتاج الى من يكرم المثقفين، بعنوان آخر يشوّه المشهد الثقافي، كان الرجل مستغرباً من موقفي هذا على الرغم من وجود اسمي ضمن قائمة المكرمين.
لا اعتراض على قيام جهة معلومة، واضحة المشروع، لها سجلها النقي والصريح والجاد في رعاية الثقافة بتكريم من تشاء، وبمنح من تشاء من الدروع النحاسية والقصديرية والأوسمة والنياشين الكاذبة، شريطة أن تكون هي الأسمى والأرفع ليكون للتكريم معنى وقيمة ، إذ من غير المقبول قيام جهة مجهولة، تشكلت بمحض وهم من صاحبها، ان تصبح قيّمة على الثقافة والمثقفين وتختار عبر استفتاء وهمي وتعلن عن تسمية هذا وذاك، كأجمل بزاز او أفضل بنّاء، او احسن طبّال حتى. نقول: إذا كانت الدولة عاجزة عن احتضان مبدعيها فليحترم هؤلاء الفاسدون جهدنا في اقل تقدير.
أنقذوا الثقافة من تكريم الفاسدين
[post-views]
نشر في: 7 يناير, 2017: 09:01 م