adnan.h@almadapaper.net
زيارة رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم إلى بغداد أمس كانت ناجحة، وهي بهذا أعطت من جديد صدقية للمقولة المأثورة :" في السياسة لا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة، إنما المصالح هي الدائمة".
مباحثات يلدريم مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي تجاوزت مرحلة تبادل عبارات العتاب على خلفية الموقف التركي غير المفهوم وغير المبرّر في تشدّده حيال طلب العراق من تركيا احترام سيادته الوطنية وسحب قواتها المرابطة في منطقة بعشيقة من دون إذن، ودخلت – المباحثات – في عمق العلاقات الستراتيجية التي تربط بين بلدين جارين هما من أهم بلدان الإقليم، فبعد اللقاء الثنائي عُقِد اجتماع لمجلس التعاون الستراتيجي رفيع المستوى بين البلدين، حيث جرى البحث في تعزيز العلاقات الاقتصادية والتعاون المشترك لمكافحة الإرهاب.
منذ بضعة أشهر عندما نشبت الأزمة الدبلوماسية بين أنقرة وبغداد، تصرّف بعض الساسة في العاصمتين كما لو أنّ ما بين تركيا والعراق معضلة عميقة وعويصة لا يُمكن حلّها، حتى أنّ البعض بدأ بقرع طبول الحرب، والحال إنّ نتائج زيارة يلدريم أمس أظهرت من جديد أنه ليست هناك مشكلة غير قابلة للحل إذا ما توفّرت النوايا الطيبة المرتبطة بالمصالح الدائمة.
المشكلة العراقية – التركية الأخيرة كانت تركيّة المنشأ في الأساس، فأنقرة عملت على التدخّل في الشأن العراقي تحت ذريعة المشاركة في تحرير الموصل، وهي ما لم يكن العراق في حاجة إليها في الواقع، خصوصاً أنّ الحرب على تنظيم داعش الإرهابي عندما انتقلت إلى حدود محافظة نينوى إنما دخلت في منطقة بالغة الحساسية، وهذا ما لم يدركه ويستوعبه الاتراك جيداً، وهو ما تطلّب جهوداً سياسية ودبلوماسية بعيداً عن دائرة الضجيج، وهذا ما ركنت إليه حكومة العبادي لتحقّق في نهاية المطاف عودة العلاقات الطبيعية بين البلدين، والحصول على تعهّدات من الجانب التركي باحترام سيادة الدولة العراقية بسحب قواته من بعشيقة، وعدم وضع عراقيل أمام عملية تحرير الاراضي العراقية من الاحتلال الداعشي.
لابدّ من أنّ الاتراك فكّروا مليّاً في مصالحهم التي تُرتّب عليهم الحفاظ على علاقات حسن الجوار مع جيرانهم الجنوبيين، فتراجعوا عن خطابهم العنتري وعن استعراض العضلات ومحاولة استصغار شأن العراق وهو يخوض حرب تقرير المصير.
سيكون من مصلحة العراق أن تجعل من أمر تطبيع العلاقات مع تركيا رافعة لتطبيع مماثل في العلاقات مع سائر الدول، وهو ما يستدعي نشاطاً دبلوماسياً مكثفاً وصبوراً يُقنع حكومات الدول التي لم تزل على غير وفاق تامّ معنا بأنّ عليها أن تقدّم مصالحها الدائمة على أية اعتبارات ليس لها صفة الديمومة.