adnan.h@almadapaper.net
هل أنتم جادّون في ما تقولون ؟ .. أقصد ما تعلنونه من سعي لتحقيق "تسوية تاريخية" أو "مصالحة وطنية"؟ ... أنا أُدلّكم على الطريق المفضية إليها،سواء كان اسمها تسوية أم مصالحة.
هذه الطريق طويلة بعض الشيء، لكنّها مأمونة ومضمونة بخلاف ما فعلتموه حتى الآن، فلن يؤدي إلى المرام أو يبلغ الغاية هذا الذي انشغلتم به وجهدتم أنفسكم فيه على مدى السنوات العشر الماضية وأنفقتم في سبيله مئات ملايين الدولارات، كانت أنفع للشعب العراقي لو بنيتم بها مدارس ومستشفيات أو رمّمتم المدارس والمستشفيات المتهالكة.
أنتم تريدون، كما تعلنون في مقدّمات مشاريعكم والخطابات المروّجة لها، إنجاز تسوية أو مصالحة مجتمعية وسياسية. السبيل إلى التسوية التاريخية المجتمعية أو المصالحة الوطنية المجتمعية يكون بإقامة نظام حكم يرتكز على العدل والمساواة في دولة المواطنة، فهذا مما يحفظ الحقوق لكل الناس، أفراداً وجماعات، قومية أو دينية أو مذهبية أو سياسية. الدستور الذي استُفتي عليه الشعب في العام 2005 نصّ على ما يأتي: "العراقيون متساوون أمام القانون من دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي" (المادة 14)، وإذا ما تقيّدت الدولة بكل مؤسساتها وأجهزتها بهذا البند من أحكام الدستور تكون قد قطعت نصف الطريق إلى التسوية أو المصالحة المجتمعية، لأنه لن يكون هناك عراقي واحد يشعر بالحيف والظلم لأنه غير متساو بمواطنيه الآخرين حتى أمام القانون.
وستضمن الدولة قطع ربع الطريق إلى التسوية أو المصالحة إذا ما التزمت بكل مؤسساتها وأجهزتها بنص المادة 22 من الدستور القائلة: "أولاً: العمل حقّ لكل العراقيين بما يضمن لهم حياة كريمة". أما الربع الأخير من الطريق إلى التسوية أو المصالحة المجتمعية فسيتحقق قطعه إذا ما تمسّكت الدولة بتطبيق المادة 37 من الدستور "أولاً :أ ـ حرية الإنسان وكرامته مصونة".
كيف يتحقق هذا؟
إنه ببساطة يتحقق بوجود قضاء نزيه تماماً ومصونة استقلاليته تماماً، يحكم بالعدل والقسطاس وبالذمة والضمير، ويتحقق أيضاً بنظام انتخابي منصف وعادل يضمن انتخاب أنزه الناس وأشرفهم وأكثرهم كفاءة وخبرة ووطنية إلى السلطة التشريعية الاتحادية وفي الأقاليم والمحافظات، ويتحقق كذلك بكفالة الدولة بكل مؤسساتها وأجهزتها الحريات العامة والخاصة للناس وكرامتهم الإنسانية والوطنية، ويتحقق بتقديم فرص العمل الكبيرة والصغيرة على وفق الأهلية العلمية والمهنية والنزاهة، وليس على أساس الحزبية والقومية والطائفية والعشائرية.
بتحقيق هذه العناصر لن يكون هناك غبن في الحقوق والواجبات، فلا تنشأ في الأنفس روح الضغينة والكراهية والانتقام .. سيتعايش، بأفضل ما يكون التعايش، العرب مع الكرد والتركمان والكلدان والآشوريين والأرمن وسائر المكوّنات القومية والإثنية، والمسلمون مع المسيحيين واليهود والصابئة المندائية والإيزيديين والكاكائية والزرادشتية والبهائية، والمؤمنون مع غير المؤمنين، والشيعة مع السُّنّة.
أما التسوية أو المصالحة السياسية، وهي الأصعب والأشقّ، فما من سبيل لتحقيقها إلا على أيدي الأحزاب والجماعات السياسية الديمقراطية .. كونوا ديمقراطيين أولاً لنقطف جميعاً ثمار التسوية أو المصالحة السياسية .. كل ما عدا هذا هواء في شبك.