اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > مسرح > براعـــة توظيف الفلسفة في العمل المسرحــي.. ألبيـر كامو أنموذجاً

براعـــة توظيف الفلسفة في العمل المسرحــي.. ألبيـر كامو أنموذجاً

نشر في: 9 يناير, 2017: 09:01 م

استطاع ألبير كامو أن يفلسف المسرح، وان يقدم من خلاله بعض أفكاره الفلسفية من خلال أعمال مسرحية اغتنت بها المكتبة المسرحية العالمية. لجأ كامو إلى الكتابة المسرحية ليتفاعل بشكل مباشر مع الجمهور ، وقد كانت لمسرحياته ردود أفعال قوية في مختلف أنحاء العالم

استطاع ألبير كامو أن يفلسف المسرح، وان يقدم من خلاله بعض أفكاره الفلسفية من خلال أعمال مسرحية اغتنت بها المكتبة المسرحية العالمية.
لجأ كامو إلى الكتابة المسرحية ليتفاعل بشكل مباشر مع الجمهور ، وقد كانت لمسرحياته ردود أفعال قوية في مختلف أنحاء العالم .
لبث كامو مركزا على منهجه الإنساني في المسرح ، واغتنم هذه الخشبة ليتفاعل مع الجمهور وجها لوجه .
يدافع هذا الكاتب عن إنسانية الإنسان ويدين أي شكل من أشكال التدخل في حياته .
لقد أضفت مسرحيات هذا الفيلسوف غنى إلى الثروة المسرحية بحيث تميّزت مسرحياته بأفكار فلسفية جادة بالغة القوة، ومن هنا اكتسب مسرح ألبير كامو أهميته، وبالتالي لاقى الإقبال الشديد عليه من قبل مختلف شرائح القراء.
إنه فيلسوف ومسرحي إنساني النزعة في جل ما ترك من الإبداع الذي تكلل بنيله جائزة نوبل للآداب سنة 1957 وهو ثاني أصغر كاتب يحصل على هذا الجائزة بعد / روديارد كبلنغ / كما أنه أصغر من مات من كل الحائزين على جائزة نوبل .
يُعد ما قدمه كامو من أعمال مسرحية  مرحلة انتقالية هامة من مراحل ازدهار المسرح الفرنسي ، وتُسجل له الريادة في تقديم أفكار إنسانية جديدة في العمل المسرحي عبر تاريخه، سوف أتناول في هذا المقام ثلاث مسرحيات لكامو كأنموذج للدخول إلى عالم كامو المسرحي  .  
يقدم كامو في مسرحية (صلاة إلى بتول‏)  أفكاراً تحذيرية، وهو يتناول نزعة الشر لدى الانسان، حيث يصور نهاية الإنسان الشرير نهاية مأساوية ، كتبها عام  1944 .‏
يقدم كامو في عمله المسرحي هذا امرأة وابنتها تديران فندقاً ، وكلما نزل نزيل في هذا الفندق ، قتلتاه ، وسطتا على ثروته  .
تمضي الأحداث ، والأيام ،  وذات يوم  يعود الابن المهاجر إلى أمه وأخته نزيلا في الفندق ، ومن باب الدعابة يقرر أن يخفي شخصيته أول الأمر ، حتى ينام ، وفي الصباح يقدم لهما المفاجأة السارة.
يكون الرجل سعيدا في غرفته بالفندق  لأنه بالقرب من أمه وأخته ، وفي غرفة أخرى تخطط الأم كيف تغتاله لتحصل على ثروته ، خاصة وقد رأت هذه الثروة .  وكالعادة تنجحان في هذه المهمة ، وفي ذروة الابتهاج للحصول على الثروة ، تكتشفان الحقيقة من أوراقه .
هنا تولد الصدمة الكبرى ، وكأن كامو يقول بأن من لايحترم حياة الآخرين ، فسوف يأتي عليه يوم لايحترم حياته أيضا ، وكما يعتدي على حياة الآخرين ، فسوف ينقاد ليقضي على حياته أيضا . وبالفعل تقرران الانتحار مع هول الصدمة ،  وعندها تقول الأخت: /الحياة أقسى منا جميعا / .‏
يقول كامو : / هناك نوع من التفاؤل ليس بالطبع من سجاياي لقد ترعرعنا أنا وسائر أبناء جيلي على قرع طبول الحرب العالمية الأولى ،  وقد تابع التاريخ منذ ذلك الحين حكاية القتل والجور والعنف إلا أن التشاؤم الحقيقي كالذي نراه اليوم يكمن في استغلال هذه الوحشية والخزي  . أما فيما يتعلق بي فقد ناضلت دون هوادة ضد هذا الانحطاط، لست أكره إلا أولئك المتوحشين ، وفي أحلك أعماق عدميتنا لم أكن أنشد غير سبيل لتجاوز العدمية/ .‏
كذلك نرى كامو يلجأ من خلال مسرحه  إلى شخصيات مستبدة من التاريخ الإنساني  ليستعين بها من أجل أن ينشر أفكاره عن دعوته إلى التكاتف الإنساني  .
تعد مسرحيته / كاليغولا /  من المسرحيات الهامة التي تدافع عن حياة الإنسان ، وفيها يبين كامو بأن الاستبداد  لايقتصر على زمان ومكان وأمة وشكل , إنه يأخذ أشكالا مختلفة .
 كان الطاغية كاليغولا يقول : ليس هناك قدر متفهم , لذا أختار أن ألعب دور القدر.
ويضيف :  إنني ألبس الوجه الغبي الغامض لشيطان محترف .
وفي اعتقاد كاليغولا كما يقول :  يمكن لأي إنسان أن يلعب الدور الرئيسي في الكوميديا ويصبح لاعبا .  كل ما يحتاج إليه هو أن يقسّي قلبه .
و يقول مدافعا عن نزعته العدوانية : إنها الحقيقة , كوني لا أحترم الحياة الإنسانية أكثر مما أحترم حياتي الخاصة , وإذا كنت أجد القتل سهلا , فما ذلك إلا لأن الموت سهل بالنسبة لي .
وبعد كل تلك الجرائم المروعة التي يرتكبها كاليغولا بحق الناس ،  ينتهي في أواخر حياته إلى أن يخنق عشيقته كايزونيا  تتويجا لنزعته ، وهو ينظر إليها في المرآة  تتحول إلى جثة , ولكنه بالمقابل يلقى العنف ذاته من الناس الذين يقعون عليه ضربا حتى يلقى حتفه .
في مسرحية (صلاة إلى بتول)‏ ، يقدم كامو أفكاره الفلسفية عن عاطفة المحبة، حيث يتناول الحب وفق رؤيته الفلسفية ، هذا الحب الذي يجعل البطل يخاف من أي عارض يمكن أن يبعده عن حبيبته .
وهي من المسرحيات التي  تطرح الحساسية العالية في علاقة حب عميقة ، ولكن الشاب يقلقه دوماً الموت الذي يبعده عن حبيبته  .
البطل ينتابه قلق وجودي، وهو يتخيل موته ، والابتعاد عن حبيبته، وفي هذا القلق ينادي/ دييجو/ حبيبته : إنني أكره جمالك لأنه سوف يحيا بعد موتي... ملعون هو لأن غيري سيتمتع به... لن أكون وحدي هناك... ماذا يهمني من حبك إن لم يتعفن معي.‏
الحياة تقترن هنا بوجود مَن نحب ، وإذا خلت الحياة من الحب ، خلت من الدفء .
وهذا يذكرنا بكتاب لكامو هو / أسطورة سيزيف /
إن ألبير كامو يسعى لقول معتقداته من خلال أعماله ، ويترك لشخوصه مهمة حمل هذه الأفكار فيكتب بود عن سيزيف ذاك الرجل الذي يحلم بالعودة إلى الحياة. سيزيف الذي أمر زوجته بإلقاء جسده في الطريق بدون كفن عند موته ليمتحن مدى حبها له، يرى نفسه فجأة في الجحيم وبيده صخرة يرفعها إلى قمة جبل مرتفع بالشقاء ، وما ان يوصلها حتى تعود فيعاود رفعها. وهذا هو عقابه ، فقد حكمت عليه الآلهة هذا الحكم، لأنه أفشى أسرار الآلهة. لقد اختطف /جوبير/ أجين/ ابنة/ أزوب/ فأدهش اختفاؤها والدها الذي شكا الأمر لسيزيف فعرض عليه الأخير ـ وكان على علم بالاختطاف ـ أن يدله على مكانها ويفشي السر بشرط أن يمد قلعة /قورنثه/ بالماء وهو بذلك يفضّل بركة الماء على صواعق السماء فيعاقَبْ بالأشغال الشاقة المؤبدة في الجحيم برفعه الصخرة إلى الأبد... ذات مرة يتوسل إلى /بلوطون/ حتى يعطيه استراحة ليعود إلى الحياة ويرى زوجته وبعدها يعود بأقصى سرعة، ويرق له قلب بلوطون ويمنحه إجازة قصيرة ويأذن له الخروج من الجحيم ويعود سيزيف ـ عاشق الحياة ـ ليفتح عينيه على الجمال والشمس والهواء وعند انتهاء المهلة يرفض العودة ويهرب متخفياً عند منعرج الخليج تحت تهديدات الآلهة حتى نفد صبرها فتدخل /مدكور/ بنفسه بقرار من الآلهة وأمسك بسيزيف من رقبته وأعاده بالقوة إلى حيث صخرته.‏
يقول دييجو : لا أريد أن أموت وحدي وأغلى شيء عندي في العالم يشيح بوجهه عني ويرفض أن يتبعني.‏
وتأتي الإجابة الجميلة والتي بطبيعة الحال ترضي كامو نفسه أولاً، فتقول فكتوريا جملتها الرائعة: إذا كان يجب أن تموت يا حبيبي  ، فإنني أحسد حتى الأرض التي سوف تقترن بجسمك.‏
من هنا يستمد مسرح ألبير كامو استمراريته، وقابليته للقراءة عبر السنوات، كون هذا المسرح يخاطب نزعات إنسانية مستمرة مع الإنسان .
لقد تحولت مسرحيات كامو إلى ثروة فكرية وأدبية، وباتت مرجعاً هاماً لدراسة نزعات النفس البشرية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

واشنطن تحذر بغداد من التحول الى "ممر" بين ايران ولبنان

تقرير أمريكي: داعش ما زال موجوداً لكنه ضعيف

انتخابات برلمان الاقليم..حل للازمات ام فصل جديد من فصولها؟

صورة اليوم

المباشرة بتطبيق الزيادة في رواتب العمال المتقاعدين

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

المكتبة المسرحية: ثلاثة أعمال مسرحية للكاتب أحمد إبراهيم الدسوقي

سلطة المسرح ومسرح السلطة في العراق

المخرج المسرحي وخلفيته الثقافية

نقد الرياء الديني في مسرحية طرطوف لموليير

حول مسرحية تشيخوف الكوميدية (الدب)

مقالات ذات صلة

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته
مسرح

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته

فاتن حسين ناجي بين المسرح الوطني العراقي ومهرجان الهيئة العربية للمسرح في تونس ومسرح القاهرة التجريبي يجوب معاً مثال غازي مؤلفاً وعماد محمد مخرجاً ليقدموا صورة للحروب وماتضمره من تضادات وكايوسية تخلق أنساق الفوضوية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram