أرتبط اسم الناقدة المصرية نهاد صليحة ، والتي رحلت عن عالمنا قبل أيام بحركة النقد المسرحي الحديثة ، التي كانت سائدة في اوربا خلال السبعينيات ، لكنها وصلت الينا متاخرة بسبب انشغال النقد العربي ، بافكار النص المسرحي بعيدا ع
أرتبط اسم الناقدة المصرية نهاد صليحة ، والتي رحلت عن عالمنا قبل أيام بحركة النقد المسرحي الحديثة ، التي كانت سائدة في اوربا خلال السبعينيات ، لكنها وصلت الينا متاخرة بسبب انشغال النقد العربي ، بافكار النص المسرحي بعيدا عن أدوات العرض المسرحي الاخرى.
واتذكر اثناء تجربتي في كتابة النقد المسرحي ، انني كنت اتابع باهتمام كتابات لنقاد عرب من امثال علي الراعي ورياض عصمت وفؤاد دوارة وفاروق عبد القادر ، وقد تميزت أغلب دراساتهم النقدية باحاطتها بكل جوانب النص المسرحي ومؤلفه مع اشارات عابره عن الاخراج والتمثيل ، ألا أن وقع بيدي ذات يوم مقال بعنوان " الواقعية في مسرح نعمان عاشور " منشور في احد اعداد مجلة المسرح المصرية في بداية الثمانينيات ، كاتبة المقال ، اسمع باسمها للمرة الاولى ، الدكتورة نهاد صليحة ، ولانني كنت مغرما بنعمان عاشور ، وكنت اتلقف معظم اعماله ونشرت عنه مقالا في مجلة الثقافة ، فقد تلقفت مقال الدكتورة صليحة بلهفة ، وقد وجدت نفسي بمواجهة مقال مسرحي من نوع مختلف ، ، واذا الواقعية التي تتحدث عنها نهاد صليحة تختلف عن الواقعية التي قرات عنها في كتابات محمد مندور عن المسرح ومحمود امين العالم ويوسف عبد المسيح واستاذي الدكتور جميل نصيف ، والتي كانت تؤكد ان الشكل الفني للعمل المسرحي غير منفصل عن المضمون الفكري ، بل هو تابع له، بمعنى أن المضمون يستدعى شكلا ملائما له ، مما يفرض على الناقد منهجا ينطلق من المضمون في العمل المسرحي ، ثم البحث عن مدى قدرة المبدع على استخدام تقنيات شكلية قادرة على توصيل هذا المضمون بصورة صحيحة .
في مقال نهاد صليحة كان هناك شيء آخر يشير إلى نوع جديد من انواع النقد المسرحي ، يختلف حتى في المصطلحات التي يستخدمها الناقد.
أنتهي من قراءة المقال فاجد نفسي اأتجول في في ظل الفلسفات اللغوية الحديثة والنظريات النقدية من بنيوية الى تفكيكية ، الى سيميوطيقية ، ، حيث تركز الناقدة جهودها على فحص علاقة الكلمة بالمعنى من ناحية وعلاقة معاني النص المسرحي ، بمعطيات الشكل من ناحية آخرى .
وعرفت للمرة الاولى ايضا كيف يمكن ان يتحول المشاهد في العرض المسرحي ، إلى منتج للعمل الفني ، وعنصر فعال يشارك في عملية صياغة العرض ولو بطريقة ثانوية غير مباشرة وليس مستهلكاً بصرياً للعرض ، وتحاول الناقدة وهي تستعرض ابرز العروض المسرحية التي قدمت اعمال نعمان عاشور الى التركيز على المعادلة الثلاثية للعرض المسرحي وهي ، النص وقيمه الدلالية ، العرض ومكوناته الجمالية ، المشاهد وقراءته البصرية ، وهذا الاخير يعتبر عندها الغاية المقصودة من وراء كل عمل مسرحي يقدم على الخشبة وبغيره يصبح العرض معدوما أو لا فائدة تذكر من تقديمه اصلا .
بعد هذا المقال اخذت ابحث عن كتابات نهاد صليحة فعثرت على كتابها الاول " المسرح بين النص والعرض " ، ويتضمن مقالات تبين طريقتها النقدية ومنهجها في تحليل العروض المسرحية ، الا ان المفاجاة الكبرى كانت في عثوري على مقال لها نشر في مجلة القاهرة المصرية بعنوان :" يوسف العاني ورحلة أربعين عاما من يوسف وهبي الى بريخت المقال مؤرخ عام 1983 ، وفيه تناقش مسيرة يوسف العاني التي وصفتها بانها اعتمدت على المؤلف – وتعني العاني – الذي شكل قاعدة الانطلاقة الحقيقية نحو مسرح عراقي حديث
كانت نهاد صليحة من خلال مقالها عن نعمان عاشور ودراستها القيمة عن مسرح يوسف العاني، ومعظم دراساتها النقدية ، تريد ان تؤكد على عدد من النقاط المهمة ، مطلوب من الناقد ان ينتبه لها وهو يقدم للقاريء وجهة نظره عن المسرحية التي يشاهدها ، وتتلخص هذه النقاط في :
اولا : إلى من يتوجه العرض المسرحي برسالته؟
ثانيا : هل استطاع العمل المسرحي ان يوصل رسالته المقصودة جماليا وفكريا الى المشاهد
ثالثا : هل يبث العرض المسرحي رسالة واحدة مصدرها المرسل ، أم يبث رسائل منوعة إلى جمهور منوع ، يختلف في درجة كفاءة الاستقبال والوضع الاجتماعي والثقافي .
وانظلاقا من هذه النقاط الثلاثه ، يمكن للناقد ان يفتح شفرات العرض المسرحي ، ويكشف معاني الجمال ، وموضع الإبداع بالعرض المسرحي ومن ثم الوصول إلى قراءة نقدية للعرض المسرحي تتجاوز القراءة القراءة الشرحية للنص المسرحي .
كانت صاحبة " المسرح بين العرض والنص " ترى بأن مهنة الناقد تشبه كثيراً مهنة صانع المفاتيح الذي بامكانه ان يصنع مفتاحاً لكل باب من الابواب .
قدّمت الناقدة المصرية مجموعة من الكتب التي تعدّ مدخلاً هاماً للإطلاع على تاريخ المسرح الحديث وتطوره ، ومن بينها: "التيارات المسرحية المعاصرة" و"الحرية والمسرح" و"المسرح بين النص والعرض"، و"أضواء على المسرح الإنكليزي" إضافة إلى ترجمتها إلى العربية عناوين تعتبر من أساسيات الثقافة المسرحية الحديثة، مثل: "نظرية العرض المسرحي" لـ جوليان هلتون، و"ما بعد الحداثية والفنون الأدائية" لـ نك كاي، "التفسير والتفكيك والإيديولوجيا " لـ بيتر بروك، وتيري إيغلتون.