سعد محمد رحيم مئات آلاف التلاميذ والطلبة يرسبون في كل سنة، وهذه الظاهرة المؤذية تمثل إهداراً غير قليل للمال العام، ناهيك عن نتائجها الاجتماعية والنفسية والحضارية. ويفضي الرسوب المتكرر لكثر من هؤلاء إلى ترك الدراسة والانضمام إلى جيش الأميين والعاطلين عن العمل. ثمة عوامل عديدة تقف وراء رسوب الطالب.
وفي العراق لابد، أن نتحدث عن الوضع الأمني وتدهوره أولاً والذي يجعل الطالب يتغيب مراراً عن المدرسة، وبالتالي لا يستوعب دروسه بشكل جيد، أو يتم فصله بسبب تجاوزه الحد القانوني للغيابات. (وتمنح أغلب المدارس مدة إضافية تفيد بعض الطلبة، ولا تنفع مع آخرين). ومع الاستمرار في الكلام عن الظرف الأمني نصل إلى الكلام عن أعداد الأولاد والبنات الأيتام الذين هم ضحايا أعمال العنف والإرهاب، ونجد أن نسبة لايستهان بها من أولئك الأيتام هم أول من يغادرون مقاعد الدراسة، إما ليعيلوا عائلاتهم، أو لعدم وجود من يوجههم في الاتجاه الصحيح، أو لأنهم يشعرون باليأس والإحباط بعد فقدهم ذويهم. وعموماً، يمكن عدّ انخفاض مستوى المعيشة سبباً أساسياً يؤدي إلى رسوب الطلبة، ومن ثم ترك مدارسهم. ومن المنطقي أن تكون نسبة التلاميذ والطلبة المتحدرين من العائلات التي تعيش تحت خط الفقر، ويواجهون الرسوب وترك المدارس، أعلى من نسبة التلاميذ والطلبة المتحدرين من عائلات لها دخول مستقرة وجيدة. لكن هناك من الآباء من يتحدث إليك عن لامبالاة أولادهم إزاء دراستهم على الرغم من توفر الظروف الملائمة كلها من أجلهم. وهنا، هل نستطيع القول بأن البيئة التربوية والتعليمية وكذلك الاجتماعية العراقية غير مشجعة للدراسة والتحصيل العلمي؟. وهناك من الخبراء في مجال التربية والتعليم من يقول لك بأن المدرسة العراقية بيئة غير جاذبة (إن لم نقل طاردة) للطالب. وواحد من هؤلاء الخبراء طرح عليّ فكرة اختبار بسيط لهذا الأمر، وهو أن يقف المعلم أو المدرس ويقول لتلاميذه أو لطلبته؛ «غداً عطلة». سيرى كيف تنفرج اساريرهم، وكيف سيسألون فرحين؛ «صحيح أستاذ بكرة عطلة». إن بيئتنا التربوية والتعليمية والاجتماعية لا تؤكد على قيمة العلم في ذاته ولذاته، وإنما تربطه بالتحصيل الاقتصادي والوظيفة والمستقبل المضمون. وحين يلمس الطلاب وعائلاتهم هذا الكم من الخريجين العاطلين عن العمل، أو الذين يؤدون أعمالاً يمكن للأميين أن يؤدوها تشحب وتقل الرغبة بالتعليم والتعلم. ومثلما نعرف فإن الرغبة بالتعلم هي الشرط الأول والرئيس لنجاح العملية التربوية والتعليمية. إذ كيف تعلّم من لا يريد ذلك؟. إذن ما الحل؟. لا أزعم أنني أمتلك صورة نهائية للحل. وليس ثمة مجال في هذا المقام للتفصيل في ذلك. ولكن تبقى مسألة كيف نستطيع تهيئة بيئة حاضنة ومشجعة وجاذبة للتعلم والتعليم في بلادنا؟ أعتقد أن هذه مسؤولية لا وزارتي التربية والتعليم العالي وحدهما، وإنما أيضاً، مؤسسات الإعلام والمجتمع المدني والقوى السياسية والحكومة كذلك. وقد تبدو مشكلة الرسوب، والتسرب من المدارس، للوهلة الأولى، ذات أهمية قليلة بالقياس إلى مشكلاتنا السياسية والاقتصادية والأمنية المستعصية. لكنها حلقة مهمة في سلسلة مشكلاتنا تلك، وكسرها (حلها) يرتبط بحل بقية المشكلات تأثراً وتأثيراً.
وقفة :لماذا يرسب الطلاب؟!
نشر في: 10 فبراير, 2010: 05:10 م