لا أريد ان أحصي المباني والمشيدات التي بنيت في فترة الحكم العثماني والملكي، وظلت قائمة الى اليوم، يؤدي البعض منها خدماته للمواطنين، ولست هنا بصدد الحديث عن مهارة الباني والمهندس العراقي، فهي محط تقدير واعجاب الجميع، وانا أعرف ان منارة وبناية المسجد في قريتنا (السراجي) بنيت سنة 771 للهجرة، وهي اليوم كما هي قبل أكثر من 700 سنة، ومثلها العشرات من دور العبادة والمساجد والكنائس، في طول العراق وعرضه، لكنني ساتوقف ملياً، وهو أمر يتوقف عنده غيري أيضا. ترى ما سرّ احتفاظ الناس بدور العبادة، المسجد او الحسينية والكنيسة والمضيف واهمالهم لبناية المدرسة، المستشفى، الحديقة العامة، لماذا يحتفظ المسلم ببيت الله ويهمل بيته، مدرسته ومستشفاه؟ لماذا لا يقدم المتدين العربي والعراقي مشاريع حياته ومستقبل أبنائه على مشروع موته وحفرة قبره؟
مع يقيننا بأن الغالبية من الفقهاء والخطباء ورجال الدين ما زالوا يذكِّروننا، بأن الله قريب، يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، وهم يقولون بأن النبي محمد يقول(جُعلتْ لي الأرضُ مسجداً وطهورا) وأن الصلاة تصحُّ في أي مكان، وهي الأفضل ساعة يكون المؤمن في خلوة من الناس، كما كان يدعو الإمام الكاظم، وأن الزخرف والنقوش والبهرج أعمال تلهي العابد عن ربه، وتشغله عن التوحد معه، وأن الأنبياء والأئمة والمصلحين كانوا فقراء، وهم زاهدون في حيواتهم، يرددون مع الإمام علي قولته: يا دنيا دعيني وغرّي غيري، إني طلقتك ثلاثاً، وحيث ما نكون، نسمع بما اوجعوا به رؤوسنا من خطب في ذم الدنيا لصالح الآخرة واليوم الموعود، هناك، حيث يقف الإنسان مجرداً من كل شيء، سوى من ما يقربه الى الله.
حين يخفق عالم الآثار والباحث الأركيولوجي في إقناع رجل الدين، بعدم وجود قبر لولي صالح في الأرض، التي تسعى دائرة الصحة لإقامة مستشفى عليها، وحين تفرض دائرة الأوقاف على الجهة المنفذة لمشروع المستشفى ترميم القبة والضريح المفترض، والمتوهم من قبل هؤلاء، نكون قد خسرنا من صحة أبداننا الكثير، نكون قد اوقفنا عجلة التطور والمنفعة ومستقبل أجيالنا الكثير والكثير. لولا مصلحة البعض من رجال الأعمال والتجار والمستثمرين لما رأينا مَعلماً عمرانياً واحداً في البصرة منذ سقوط النظام الى اليوم. ما بناه هؤلاء من مجمعات تجارية ومولات واسواق جعل فضاء المدينة أجمل، وجعل الحياة ممكنة، نحن بحاجة الى من يأخذ بأيدينا الى ما يدلنا على طريق الرفاه والتخفف من اعباء العيش وقد احاطت بنا المتاعب.
ما الذي سينتفع به الفقير، المسكين، عامل البناء وبائع البطاطا والقمصان المستعملة من بناية المسجد إن لم يجد مدرسة يتعلم فيها ابنه، إن لم يجد مستشفى يقدم لزوجته العلاج مما تعاني منه، وما الذي سيجنيه من المسجد والحسينة والموكب إن كانت الطريق الى بيته بركاً آسنة ومستنقعات ومطبات، ألِفها حتى صارت جزءاً من حياته وتماهت عينه واذنه وقدمه معها. ألا ترون أننا بحاجة الى من يقول للعامّة والخاصة منا بأن يكف البناة، التقاة الميسورون عن بناء المساجد والحسينيات والمضايف، لأن الأرض ما عادت تتسع لغير ذلك، وأن الله في غنى عن مثل هذه الوسائل للتقرب اليه، الله، الذي يريد لنا ان نحيا ونعمّر ونبني ونتمتع بما منحتنا الحياة من وسائل وما جاد به العقل الآدمي من نِعَمٍ على بني البشر.
هل من يقول لي بانَّ بناية المسجد أفضل عند الله من بناية المدرسة والمستوصف والحديقة العامة؟؟ أيها السيد السيستاني، أنت يامن طردت وفد التحالف الوطني الوطني، بما يعني رفضك لسياسته في إدارة البلاد، ما أحوجنا لتقول لهؤلاء: اتركوا بناء المساجد والحسينيات وابنوا المدارس والمستشفيات فقد تراجع مستوى التعليم في العراق الى ما جعلنا في ذيل القائمة مع الصومال .
جميع التعليقات 2
محمد سعيد
الخوف والخوف ثم الخوف يردع المواطن ويحوله الي جبان ,كما يجعله يحافظ علي ابنيه يعتقد انها مقدسات خصوصا, وانه ينكر في اعتبار حرمه بيته هي المكان المقدس الاول , لكن مع التخلف والجهل ضاع في مجتمعاتنا المقدس وغير المقدس وانساق الجميع نحو
ABO ZAMAN
كلام جريئ وصريح . فعلا نحن بحاجة ماسة لبناء مدرسة او مستشفى او حديقة عامة فتعليم الاطفال ومعالجة المرضى والترويح عن العوائل وكبار السن احسن وانفع بكثير من بناء مسجد او حسينية ففي العراق اصبحت الطرق والاحياء والمدن الصغيرة والكبيرة تعج بابنية من هذا القبيل