السينما الايطالية الجديدة تبعث من جديد رونق وسحر كوميديا الواقعية الجديدة ، حيث الاستغراق في التفاصيل ودمج الملهاة بالمأساة لتؤطر صورة عن واقع الحياة المعاشة وتخرجها من محليتها الى نطاق أوسع ، هذا ما حاول أن يقدمه المخرج ( باولو جنو فيزي ) في فيلمه (
السينما الايطالية الجديدة تبعث من جديد رونق وسحر كوميديا الواقعية الجديدة ، حيث الاستغراق في التفاصيل ودمج الملهاة بالمأساة لتؤطر صورة عن واقع الحياة المعاشة وتخرجها من محليتها الى نطاق أوسع ، هذا ما حاول أن يقدمه المخرج ( باولو جنو فيزي ) في فيلمه ( غرباء كلية ) ، عندما قدم شخصياته السبع المجتمعة في مكان واحد ، وكأننا أمام عمل مسرحي نجح السيناريو المتماسك ، وادارة الكاميرا وحيوية الممثلين بالامساك بتفاصيل السرد .
يكشف لنا الفيلم منذ بدايته شخصياته المختلفة ، ثلاثة أزواج وعازب ، تدعو إيفا وزوجها أصدقاءهم لتناول العشاء ورؤية كسوف القمر ، هناك لي لي وكارلوتا ، اللذان يخفيان مشاعرهما عن بعضهما ، الزوج يستغل دخول الحمام ليرد على رسائل الفتاة التي يقيم علاقة معها ، والزوجة تشرب الخمر سراً وتتمرد على فشل علاقتها الزوجية بعدم ارتدائها ملابس داخلية ، بيانكا وكوزيمو ، يجمعهما الحب وايام الزواج الجديد وحلمهما بانجاب طفل ، أما بيبي العازب فيصل بمفرده مدعياً ان صديقته مصابة بالحمى .
يبدأ الفيلم أو اللعبة باقتراح إيفا بأن يضع الجميع هواتفهم النقالة على طاولة العشاء ، وقراءة الرسائل الواردة بصوت عال ، وحتى الاجابة على الاتصالات ، من انفعالات الجميع ندرك أن لا أحد يتضامن مع هذه الفكرة ، لكن من جهة أخرى يعني رفضهم أن هناك ما يخفيه ، لذلك يوافق الجميع مضطرين الى المشاركة في اللعبة .
شيئاً فشيئاً نبدأ بالتعرف – مثل الشخصيات- على ما يخفيه كل شخص عن صاحبه وحتى عن الآخرين ، إيفا زوجة دكتور التجميل تحاول اجراء عملية تجميل للثدي ، كارلوتا تريد ايداع أم زوجها في دار للمسنين ، كوزيمو على علاقة جنسية مع أخرى ، ومع إيفا ايضاً ، وهذا مايفسر لنا في بداية الفيلم أن الابنة ترى أمها كذابة ومخادعة ، لي لي ترسل له عشيقته كل ليلة صورة عارية لها ، لذلك يحاول اقناع بيبي الذي لديه نفس الهاتف بتبديل الاجهزة كي يخرج من الازمة أمام زوجته وأصدقائه ، لكن للاسف صديق بيبي يتصل والذي سنعرف لاحقاً انه شاذ جنسياً ، فيتعقد الموضوع أكثر ، حيث تصاب زوجة لي لي بالتوتر معتقدة ان بعد كل سنوات الزواج ان زوجها على علاقة برجل !!
الموبايل يعري الشخصيات ويكشف اسرار ماخفي خلف السلوك الخارجي ، الخوف وحده كان سمة جلسة العشاء ، حتى الصداقة الحقيقية ستبدو زائفة وهي تحمل في طيات شخوصها الغيرة والحسد ، فقط لحظة تغطية لي لي على بيبي نشعر إزاءها بما يحمله بيبي من شخصية طفولية وهو يعترف أمام الجميع بشذوذه الجنسي .
قدم لنا الفيلم رغم انحسار شخصياته في مكان واحد درساً في السيناريو ، مثلما قدم مجموعة ممثليه السبعة اداءً مميزاً حيث استغل المخرج أقصى حالات التوتر والفعل الداخلي عندهم ، وحاول قدر الأمكان الامساك بتفاصيل العمل كي يجنبنا حالة الضجر والملل في ساعة ونصف كنا محتجزين فيها داخل شقة صغيرة ، فقط تبدو فكرة كسوف القمر بشكلها الفلسفي لم توظف بشكل أكثر درامية.
فكرة رفع القناع عن الذات وتعريتها هي فكرة تتماشى مع فكرة المسح في بداياته الاولى ، حين كانت الشخصيات تغطي وجهها بقناع يساير الحدث وترفعه لحظة تغيير الفعل ، الموبايل هنا كان القناع الذي اختفى خلفه شخصيات الفيلم ، ربما تبدو شخصية الصديق الشاذ هي الاكثر وضوحاً ومصداقية مع الذات ، من هنا نعرف الاجابة من زوج إيفا حين سألته لماذا أصر على عدم وضع هاتفه على الطاولة ، فرد : لأننا جميعاً مكسورين ولا أريد الدمار لأحد منهم.
النجاح الاكبر للفيلم هو السيناريو المميز والذي استحق بجدارة جائزة مهرجان القاهرة السينمائي الاخير ، وقبله جائزة مهرجان ترابيكيا السينمائي ، مثلما حصل على أربع جوائز أخرى هي جائزة افضل فيلم ، وافضل مخرج ، وافضل سيناريو ، وافضل مونتاج .