TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > كــــلاكــيــت :السهول البيضاء قصيدة رسولوف البصرية

كــــلاكــيــت :السهول البيضاء قصيدة رسولوف البصرية

نشر في: 10 فبراير, 2010: 05:29 م

علاء المفرجيقبل سنوات علق مدير مهرجان لندن السينمائي عن مشاركة الأفلام الإيرانية قائلا:”أصبح للمهرجان نكهة". وفي مشاركتي بمهرجان دبي السينمائي الأخير، تأكدت من هذه الحقيقة، فقد حمل السينمائيون الإيرانيون في مشاركتهم ما هو مختلف وخارج عن السائد،
 وهو ما يحسب أيضا لصالح مبرمجي جائزة المهر الآسيوي الإفريقي في اختيار هذا الفيلم مع مجموعة من الأفلام ذات القيمة الفنية والفكرية العالية .ومنذ العرض الأول لفيلم)السهول البيضاء( لمخرجه محمد رسولوف في برنامج المهرجان اجمع النقاد على أحقيته في الظفر بأحد أهم جوائز المهرجان، وهو ما حصل فعلا عندما استحوذ على جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مسابقة المهر الإفريقي، وجائزة الممثل الأفضل لبطله حسن بور شيرازي.ينتمي رسولوف إلى الجيل الأخير من السينمائيين الإيرانيين الذين يواصلون إدامة هذه النهضة الاستثنائية للسينما الإيرانية التي بدأت قبل ما يقرب من ثلاثة عقود على أيدي أسماء استطاعت أن تؤكد لهذه السينما حضورا استثنائيا في المهرجانات السينمائية العالمية.وعلى عادة مخرجي الموجة الجديدة لهذه السينما ينشغل المخرج رسولوف على موضوع الفيلم، فكرته، وشحنها بالرموز التي تنهض به اعتمادا على لغة سينمائية متماسكة، لا تحتمل الزوائد والمشاهد غير المسوغة .. لغة تستنهض كل عناصر الصنعة الفيلمية بما يمنح الفيلم قيمته . رسولوف في السهول البيضاء يتمثل مقولة احد عباقرة السينما المخرج ورسن ويلز القائلة:”لا يكون الفيلم جيدا إلا حين تكون الكاميرا عينا في رأس الشاعر".. فهو يقدم بامتياز قصيدة بصرية أخاذة .. يتماهى من خلالها المشاهد مع غرابة الموضوع وتفرده .. وأيضا مع التكوينات البصرية للمشاهد المصنوعة بحس فني عالٍ .. لا يفسد تعاقبها السريع على وفق ما يستدعيه إيقاع الفيلم، متعة التأمل التي تمنحها بالعادة اللوحة الفنية .. فضلا عن حشد المجازات التي يزخر بها الفيلم والتي منحته جزءا كبيرا من نجاحه.يستهل المخرج فيلمه بلقطة مقربة ليد تضع قارورة ولوازم أخرى في حقيبة صغيرة ثم يندفع بقارب باتجاه البحر لينفتح المشهد على جزيرة بيضاء ورجال ونساء متشحين بالسواد)اللونان الغالبان في الفيلم(.. بحيرة ورومية المالحة، وجزرها الصغيرة التي يغطيها الملح، هي مقصد)رحمة( يؤدي دوره الممثل حسن شيرازي في رحلته اليوليسيسية، لجمع الدموع في قارورته الصغيرة ... كاشفا عن أساطير وطقوس كابوسية تزخر بها الجزر التي تشملها رحلته، توحي وكأنها موضوعة الفيلم، لولا حيرة المشاهد من أمر مهمة)رحمة(، في جمع الدموع .. والتي مثل صورة صادمة في قصيدة ... تفاجئنا النتيجة في المشهد الأخير من فيلمه.ومنذ محطته الأولى في إحدى الجزر، حيث جثة امرأة مغطاة بالملح وفرصة النهل من دموع من يحيطون بها .. يبرز سؤال الدمع .. الفضول في كشف وجه الجثة التي يصطحبها في قاربه المتهرئ، ليفاجأ بوجه صبي يلجأ لمكيدة استبدال الجثة ليستقل القارب بحثا عن مصير والده، ومن ثم رغبته في كشف سر هذه الدموع التي يحملها رحمة قارورته .. وبين الرحلة في جزر هذه البحيرة والأساطير والخرافات التي تمارس بها، نرحل مع عالم مليء بالأسرار الحكايا .. حكايا ثيمتها الدموع .. دموع فنان يرى ان البحر ابيض اللون لا ازرق فيعاقب بدفنه في الملح حتى رأسه .. ودموع فتاة جميلة تزف إلى البحر في طقس تغلفه الحيرة.. ودموع من يحمل أماني وآهات ونذورا معه، إلى بئر عميقة لا يعرف قرارها .. ونحيب شيخ شبه عار يعيش ويقرأ الشعر على قمة صخرة صماء وسط لبحيرة .. وقبور للمارقين شواهدها قطع خشبية طافية على وجه الماء.إسقاطات واضحة ورموز، بمساحة قراءة واسعة يضمنها رسولوف في فيلمه هذا، مراهنا على وعي مشاهد ربما لا يجد صعوبة في فك طلاسمها.في المشهد لأخير من الفيلم يتصالح المخرج مع متابع موضوعة فيلمه .. مشهد تعمد رسولوف ان يكون مختلفا في أجوائه، حيث تطغى فيه الألوان هذه المرة، لكنها ألوان باهتة لا توحي بالخلاص فقط بقدر كشفها عن سر الدموع، حيث يفتح قارورته التي عبأها بدموع)ضحاياه( الحزانى واليائسين والباحثين عن الخلاص ليسكبها على قدمي شيخ مقعد .. وليفجر بها من جديد أسئلة من نوع آخر، أسئلة تتعلق بمصائر البشر، وحدود صرخاتهم، ودموعهم التي يمكنها أن تكون بحيرة مالحة أخرى من المآسي .. ولكن عند قدمي شيخ هرم .. يبقى وجوده هو السؤال الأهم.وعلى طريقة الموجة الناهضة في السينما الإيرانية التي حمل لواءها مخرجون أمثال كياروستامي، ومخملباف، وقبادي ومجيدي، وجعفر بناهي)يشارك في مونتاج هذا الفيلم)، فإن رسولوف يختار موضوعة فيلمه بما ينأى به عن التابوهات التي وضعتها المؤسسة الرسمية، موضوعة على الطريقة)التشيخوفية( تنفجر منها أفكار ورؤى تأخذ لب المشاهد .. بما يتوفر لها من حرفية عالية ومعالجة ذكية .. انها بالضبط أفلام أفكار كبيرة.. أفلام تقفز على اسر القيود، تتحايل على سطوة الرقيب.فيلم السهول البيضاء يشعرك بجدوى الرهان على سحر السينما رسالتها.. فيلم يقف بك عند تخوم الكشف عن الحقيقة، حقيقة ان السينما الوسط الأهم لإثارة الأسئلة .. وربما التحريض على الفهم .في حوار صحفي معه تحدث رسولوف عن موجة سينمائية إي

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram