تآلف مجتمع القرّاء في الغرب والشرق وأميركا اللاتينية مع تنوع اهتمامات الكتاب والكاتبات وعدم ركونهم إلى التخصص في صنف واحد من صنوف الكتابة ، فنجدهم يتنقلون ما بين الإبداع الروائي والقصصي والشعري والنص المفتوح الذي لايمكن اخضاعه لقالب او مسمى محدد كما هي أعمال ( إدواردو غاليانو ) التي تعتمد الشذرات الممتعة لسرد التاريخ الدموي لأمريكا اللاتينية والقصص القصيرة لتدوين أساطير الثقافات المختلفة في عالمنا ،كما نجد كتّابا آخرين مثل كوتزي الذي عمل مبرمجا للكومبيوتر ثم جمع بين تخصصه والأدب فحصل على دكتوراه فلسفة في اللسانيات من جامعة تكساس وكانت اطروحته عن (التحليل الأسلوبي بالكومبيوتر لأعمال صموئيل بيكيت ) ، ولبعض الكتّاب شغف كبير بالرياضيات أو الفيزياء أوالبيولوجيا والفنون الجميلة والانشغالات الفكرية الممتدة من الفلسفة الى النظريات المتعلقة بالوضع البشري والبيئة والسايكولوجيا والتاريخ الانساني وعلم الكونيات والفضاء وعلم النبات أو عالم الطيوروالفراشات وربما الكتابة عن تجليات الجمال في تشكلات القواقع البحرية والأحجار الثمينة، فهذه الروائية الكندية مارغريت آتوود تظهر اهتماماً كبيراً في معظم رواياتها وكتبها الأخرى وأعمالها المسرحية بأوضاع العالم الاقتصادية وأحوال المناخ الخطيرة التي تهدد الأرض بكارثة محتملة وتكتب رواية ( أوريكس وكريك ) عن احتمال حصول كوارث مستقبلية نتيجة الاستخدام السيئ للعلم.
وفي رواية كوتزي ( يوميات عام سيئ) نجد بحوثا ودراسات حول الموسيقى والاحلام ورسائل المعجبين والارهاب وحكايات عن صخب الحياة السياسية وعناوين غريبة مثل "حياة حافلة بالشهوات" و" التصوير الفوتوغرافي" وموضوعا عن الماء والنار كما ضمّن روايته مبحثا عن نشأة الدولة وآخر عن دوستويفسكي ومقالة عن باخ وبين هذه العناوين الغريبة كانت ثمة مقالة عن توني بلير! ، وتحفل روايته "اليزابيث كوستيلو" بمحاضرات أو دروس عن مشكلة الشر والطيور والفلاسفة والشعراء وتعذيب الحيوانات وأباح كوتزي لنفسه فيها استخدام محاضراته الاكاديمية كجسم معزز للسرد الروائي، وتنتقل الروائية والناقدة البريطانية انطونيا سوزانا بيات بين موضوعات متنوعة تمتد من الأدب الى البيولوجيا والبحوث النقدية في الفنون الجميلة وانشغالات نظرية متعددة تنبئ عن عقل ميالٍ إلى مجاوزة المألوف وتنغمر في انجاز أعمال نقدية وفكرية تتعلق بتاريخ العلوم والفنون. و تمتلك بيات اهتمامات واسعة خارج مركزية الذات المبدعة فهي من طراز الكتّاب الذين لايميلون الى كتابة مذكراتهم أو يومياتهم، بل ركزت جهودها على توسيع آفاق الرواية الانكليزية منطلقة من شغفها الكبير للبحث وطرح التساؤلات النقدية بخاصة في روايتها الشهيرة ( استحواذ Possession ) التي يترجمها البعض ( امتلاك) وهي الرواية التي تعد المثال الأعظم والأكثر فتنة بين الروايات الرومانسية التي يحتفظ بها الأرشيف الانكليزي ومثلما فعلت آتوود برعت بيات في كتابة الفانتازيا العلمية في روايتها ( مورفو يوجينيا Morpho Eugenia ) وعُدت مثالاً تعليمياً للكتّاب الشباب ونجحت انطونيا بيات في تناول كل من النظرية التطورية الداروينية وموضوعة الشغف الجنسي، ولاننسى انشغالات الروائي برادبوري في رواياته الفكرية الممتعة بالوضع الانساني منظور إليه عبر رؤى مستقبلية ونبوءات.
تدرك هذه الفئة من المبدعين الأهمية الكبرى للعلاقة بين الإنسان والكون وبينه وبين الطبيعة وابداعات العقل الانساني في الفكر والعلوم الحديثة ،فهم لايكتفون بالمديات المحدودة للوجود الانساني بل يستنطقون تلك العلاقات المشتبكة للكشف عن الآفاق القصصية وتعميق رؤية الإنسان عن نفسه والكون مستفيدين من رحابة مدى الحرية المتاح في بيئاتهم وامكانية التعلم والبحث والتنقل بين البلدان والمتاحف والجامعات والاطلاع على آخر مستجدات العلوم لتضمينها في أعمالهم الروائية.
روائيون في بساتين المعرفة
[post-views]
نشر في: 14 يناير, 2017: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...