أشيدُ بالموقف الشجاع والصريح الذي قام به الكاتب صلاح زنكنة، حين تقدّم طالبا الزواج من الفنانة، الراقصة والصحفية عشتار آنو سومر، إثر الضجة التي رافقت منحها منصبا في إتحاد الصحفيين بامريكا. الموقف الجميل هذا يذكرني بي، أنا طالب عبد العزيز، قبل نحو من خمس وأربعين سنة، يوم صارحت أصدقائي برغبتي في الزواج من امراة تعمل في مبغى. نعم، وكنت صادقا، منسجما مع إرادتي، حيث، كنت إذاك أقرأ في كتب الماركسية والوجودية، ولعلي تشبهت بالعلاقة الغريبة التي كانت بين سارتر وسيمون دي بوفار، وقد فعل بودلير والزنجية جان دوفال، أو سيرجي يسينن والراقصة إزيدورا وغيرهم ما فعلوا بافكاري، لكنني كنت عقدت النيّة بحق.
هلّا تذكرنا ساجدة الريشاوي، التي جنّدها زوجها للقيام بعملية إنتحارية في فُندق راديسون في عمّان بالأردن عام 2005، وكيف كانت ستقتل لولا أن حزامها الناسف لم ينفجر، ومثل هذه وتلك كم سنحصي من النساء، اللواتي تجندن للقتل، بل كم سنحصي من النساء اللواتي قبلن بالزواج من الانتحاريين والقتلة بين صفوف داعش؟ ما الغرابة في الأمر؟ ولماذا يستهجن بعض زملائنا المثقفين، بخاصة أفعال مثل الرقص والغناء والعمل في ميادين مشابهة، ظنوا بها انها تسقط العاملين فيها، وتبعدهم عن (القيم الاجتماعية).هلا بحثنا بيينا عن اناس ساقطين بحق، قتلة ومنحرفين وباعة غشاشين، مزوري شهادت (رفيعي المستوى) ولصوص وأمراء فساد، هلا نظرنا بعين صادقة، الى رجال من حولنا، يعملون في مفاصل أقل ما يقال عنها أنها سامية ونبيلة، لكنها تضم بين صفوفها القتلة والخونة والفاسدين، وقد اتجرأ وأسأل يا ترى من الاجدر بالنفي والطرد، الراقصة ام رجل السياسة الفاسد؟
ما الذي يضيرنا من امراة راقصة، وما الضرر الذي سيلحقه بنا سكير في حانة، وما الجرم الذي سيرتكبه عازف كمان أو طبال في ملهى ليلي؟ ألا يمكننا تغيير بوصلة قناعاتنا، ألسنا بحاجة حقيقية الى إعادة النظر في قانون الاخلاق البليد في داخلنا، اما آن الأوان لنعيد تعريف منظومة الشجاعة والفروسية والصدق والشهامة والبطولة، هلا بحثنا في مَنْ نجاور ونحاور ونتعاقد ونحيا ونرتبط معهم في العيش والطموح، أترانا قابلين بسلوك البعض منهم، اليس بينهم من لا يستحق أدنى درجات الحياة، بسبب من سوء في السلوك وقساوة في القلب وخديعة في المعشر ولصوصية في العين والأذن ..الخ. يا ترى، هل نجد مثل هذه الصفات في سلوك الراقصة عشتار، او بائع الخمر وسواهم، مع يقيننا بانْ لا مجال للتعميم هنا.
الذي يرقص يكون بحاجة دائمة للموسيقى، وشارب الخمرة بحاجة الى تامل لوحة جميلة، معلقة على جدار البار، والمطرب أذنٌ لا تحتمل الوحشي والبذيء من الكلام، وقارئ الفلسفة والشعر والرواية مخلوق للرقي والجمال، وجملة الذين يتعاطون الغناء والرقص والخمرة والشعر والفسلفة لا يقتلون، هم حالمون بحياة اجمل، لا بنادق ولا سكاكين في بيوتهم، ولا وجود لكتب الكراهية والبغضاء في مكتباتهم، يختلفون، نعم، لكن على درجة النبل واللطف والتسامح بينهم، هم متصالحون مع أنفسهم، فقد هذبت الموسيقى والألوان والقصائد أرواحهم. لذا فهم الأسمى نفوساً.
ما أحوجنا لمعاهد تعلم الرقص والموسيقى والغناء والشعر وفنون الرسم، ما أحوجنا لمدارسَ ينبذ الاساتذة فيها الطائفية والكراهية والبغضاء وإقصاء الآخر، لينتجوا لنا جيلاً سليما، معافى من امراض عراقنا المجنون. هنالك من يدفع بأولادنا الى الموت، ولا أحد يأخذ بأيديهم الى الحياة.
أمراض عراقنا "المجنون"
[post-views]
نشر في: 14 يناير, 2017: 09:01 م