TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > أمراض عراقنا "المجنون"

أمراض عراقنا "المجنون"

نشر في: 14 يناير, 2017: 09:01 م

أشيدُ بالموقف الشجاع والصريح الذي قام به الكاتب صلاح زنكنة، حين تقدّم طالبا الزواج من الفنانة، الراقصة والصحفية عشتار آنو سومر، إثر الضجة التي رافقت منحها منصبا في إتحاد الصحفيين بامريكا. الموقف الجميل هذا يذكرني بي، أنا طالب عبد العزيز، قبل نحو من خمس وأربعين سنة، يوم صارحت أصدقائي برغبتي في الزواج من امراة تعمل في مبغى. نعم، وكنت صادقا، منسجما مع إرادتي، حيث، كنت إذاك أقرأ في كتب الماركسية والوجودية، ولعلي تشبهت بالعلاقة الغريبة التي كانت بين سارتر وسيمون دي بوفار، وقد فعل بودلير والزنجية جان دوفال، أو سيرجي يسينن والراقصة إزيدورا وغيرهم ما فعلوا بافكاري، لكنني كنت عقدت النيّة بحق.
  هلّا تذكرنا ساجدة الريشاوي، التي جنّدها زوجها للقيام بعملية إنتحارية في فُندق راديسون في عمّان بالأردن عام 2005، وكيف كانت ستقتل لولا أن حزامها الناسف لم ينفجر، ومثل هذه وتلك كم سنحصي من النساء، اللواتي تجندن للقتل، بل كم سنحصي من النساء اللواتي قبلن بالزواج من الانتحاريين والقتلة بين صفوف داعش؟ ما الغرابة في الأمر؟ ولماذا يستهجن بعض زملائنا المثقفين، بخاصة أفعال مثل الرقص والغناء والعمل في ميادين مشابهة، ظنوا بها انها تسقط العاملين فيها، وتبعدهم عن (القيم الاجتماعية).هلا بحثنا بيينا عن اناس ساقطين بحق، قتلة ومنحرفين وباعة غشاشين، مزوري شهادت (رفيعي المستوى) ولصوص وأمراء فساد، هلا نظرنا بعين صادقة، الى رجال من حولنا، يعملون في مفاصل أقل ما يقال عنها أنها سامية ونبيلة، لكنها تضم بين صفوفها القتلة والخونة والفاسدين، وقد اتجرأ وأسأل يا ترى من الاجدر بالنفي والطرد، الراقصة ام رجل السياسة الفاسد؟
   ما الذي يضيرنا من امراة راقصة، وما الضرر الذي سيلحقه بنا سكير في حانة، وما الجرم الذي سيرتكبه عازف كمان أو طبال في ملهى ليلي؟ ألا يمكننا تغيير بوصلة قناعاتنا، ألسنا بحاجة حقيقية الى إعادة النظر في قانون الاخلاق البليد في داخلنا، اما آن الأوان لنعيد تعريف منظومة الشجاعة والفروسية والصدق والشهامة والبطولة، هلا بحثنا في مَنْ نجاور ونحاور ونتعاقد ونحيا ونرتبط معهم في العيش والطموح، أترانا قابلين بسلوك البعض منهم، اليس بينهم من لا يستحق أدنى درجات الحياة، بسبب من سوء في السلوك وقساوة في القلب وخديعة في المعشر ولصوصية في العين والأذن ..الخ. يا ترى، هل نجد مثل هذه الصفات في سلوك الراقصة عشتار، او بائع الخمر وسواهم، مع يقيننا بانْ لا مجال للتعميم هنا.
    الذي يرقص يكون بحاجة دائمة للموسيقى، وشارب الخمرة بحاجة الى تامل لوحة جميلة، معلقة على جدار البار، والمطرب أذنٌ لا تحتمل الوحشي والبذيء من الكلام، وقارئ الفلسفة والشعر والرواية مخلوق للرقي والجمال، وجملة الذين يتعاطون الغناء والرقص والخمرة والشعر والفسلفة لا يقتلون، هم حالمون بحياة اجمل، لا بنادق ولا سكاكين في بيوتهم، ولا وجود لكتب الكراهية والبغضاء في مكتباتهم، يختلفون، نعم، لكن على درجة النبل واللطف والتسامح بينهم، هم متصالحون مع أنفسهم، فقد هذبت الموسيقى والألوان والقصائد أرواحهم. لذا فهم الأسمى نفوساً.
  ما أحوجنا لمعاهد تعلم الرقص والموسيقى والغناء والشعر وفنون الرسم، ما أحوجنا لمدارسَ ينبذ الاساتذة فيها الطائفية والكراهية والبغضاء وإقصاء الآخر، لينتجوا لنا جيلاً سليما، معافى من امراض عراقنا المجنون. هنالك من يدفع بأولادنا الى الموت، ولا أحد يأخذ بأيديهم الى الحياة.   

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

عمليات بغداد تغلق 208 كور صهر و118 معمل طابوق وإسفلت

أسعار الصرف اليوم: 143 ألف دينار لكل 100 دولار

ترامب: أوقفتُ 8 حروب وأعدتُ "السلام" للشرق الأوسط

الأنواء الجوية: انتهاء حالة عدم الاستقرار وطقس صحو مع ارتفاع طفيف بالحرارة

حصار فنزويلا ينعش النفط… برنت وغرب تكساس يقفزان في آسيا

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram