لخيال البهجة حظوة سينمائية توهجت كثيرا في الأفلام الموسيقية بتلك الاستعراضات المبهرة، والمرح ذي اللمسة الساحرة المغلف ببراءة طفولية أحيانا.أغان ومشاهد من عناوين فيلمية مثل ساحر أوز والغناء تحت المطر وصوت الموسيقى وماري بوبنز وغيرها التمست طريقها لذاك
لخيال البهجة حظوة سينمائية توهجت كثيرا في الأفلام الموسيقية بتلك الاستعراضات المبهرة، والمرح ذي اللمسة الساحرة المغلف ببراءة طفولية أحيانا.
أغان ومشاهد من عناوين فيلمية مثل ساحر أوز والغناء تحت المطر وصوت الموسيقى وماري بوبنز وغيرها التمست طريقها لذاكرة الأجيال فباتت جزءا من مخزون فني وذوقي لا تمحوه السنين. على وقع هذا الخيال الخصب، وما بين الافتتان والتندر والجد، حمل دميان شازيل أحلامه الشخصية لتتجسد على أرض اللا لا لاند، موسيقى غنائية تغوص في دراما العيش. وإذا ما كان للمخرج الشاب أن يحتفي بشيء من سينماه، فهو قدرته على تطويع اليأس والانعطاف به الى مسار المثابرة، أمر فعله حياتيا بامتياز. فانعكاسه الجلي على أبطاله بات واضحا دون مواربة بعد فيلمه الطويل الثالث. شازيل الذي أثبت أن الانطلاق من الذات هو السبيل الوحيد للنجاح في ويبلاش لم يتوان عن غرس ذلك في سباستيان وميا، فكلاهما لم تعبد له طرق الحياة إلا حين لامسا أرض الإبداع في شخصياتهما، محولين تجربة الحب المتعثرة بينهما الى سبيل للنجاح يدفعهما وهج تلك النجوم المنطفئة التي حلقا لها ذات مساء، ثم ليسقطا بعدها كقربان على منحر معبد الطموح. كان ذلك محور الحكاية لفيلم (أرض الأحلام)، حين يغامر شازيل وهو الكاتب والمخرج بالتحليق لمديات أوسع من رقعة طبول اندرو في ويبلاش، تغمره نوستالجيا واسعة الطيف لسينما هوليوود في عصرها الذهبي، ممتزجة بسخرية متهكمة من واقعها الحالي. متجولا في كواليس صناعتها وموجها طُرفا مكثفة لاذعة، بدت خجولة بعض الشيء في توسيع إلقاء الضوء أكثر ضمن إطار السرد زمنيا ودراميا. المخرج الشاب الذي دار في شوارع المدينة الأمريكية الشهيرة وداعب زحام طرقها بالرقص في مشهد الافتتاح بدا شغوفا بملامسة كل شيء. اراد وضع كل هوسه المتنقل بين الموسيقى والسينما على وقع نبض الحب الأول في استعراض بصري بطموح الخلود، لكن نقص الخبرة وبعض التسرع المغمور بحماس الشباب دفعه عن طريق الإجادة العالية الى أزقة العجالة، فافتقد لتداعيات الخيال المحلق بفضاءات الموسيقى غير المحدودة كتلك التي جعلت تحفة بوب فوس (كل هذا الجاز) خالدة. كما ان حرارة البهجة التي تبثها الاستعراضات الغنائية لم تكن بمستوى ما شاهدناه في فيلم (غريس) لراندل كلايزر مثلا. تفاصيل مهمة أودت بتيه المستوى الفني للفيلم في زحمة الإشارات الكثيرة، غناء ورقص، حب مبتهج، عاطفة منكسرة، أحلام وطموحات، خيبات أمل، ذاكرة للموسيقى، استرجاع لفنتازيا الجمال المنساب ضوءا على الشاشة العملاقة، وتفاصيل مدينة تزعجك في نهارها الخانق وتحتفل بك في ليلها المضيء. أشياء أحبها بعالم السحر السينمائي ولم تسعها حدود الساعتين زمن العرض. لم يكتف شازيل بكل ذلك، بل تمثل عالمه الشخصي ومسار حياته في رؤية درامية رمزية بشخصيتي البطلين، فسباستيان لم يكن إلا صورة منعكسة لحلمه الأول بالوصول لمراتب النجاح العملي موسيقيا. بينما كانت ميا شكل السينما التي صارت عالمه الحالي، وما تكوينها لعائلة على العكس من سباستيان وإنجابها لطفل الا تمثيل درامي لأفلامه التي صنعها. دائرة عائلية مثلت حاضرها ومستقبلها، أكدت كل ذلك ابتسامة ميا الصغيرة وحديث عينيها لسباستيان عند الختام. لم تتوقف عجالة دميان عند حدود السرد، بل انتقلت لإدارته الإخراجية، فبدت زوايا الكاميرا في أكثر من حالة غير منصفة للقطة وبنائها أقل مما هو مبتغى لنوع كهذا من الأفلام أو أن خياراتها ليست بالاطار المثالي للتكوين. ومن الغرابة أن يحظى الفيلم بهذه الموجات المكثفة من تسليط الضوء إعلاميا بل وحتى الجوائز، مع كل العجالة والافتقار للنضج الإخراجي الواضح! ربما لأن هوليوود ارادته أن يكون تحفة تنضم لكلاسيكياتها في عام سينمائي كانت فيه أقرب للخيبة سوى أفلام قليلة أبرزها حيوانات توم فورد الليلية، فجاء أرض الأحلام مثل طوق نجاة استمد حضوره وترقب الجماهير من ويبلاش وحماس شازيل نفسه. ما انقذ الفيلم شيء ما هو تلك المقاربات اللونية الممتعة بصريا والمستقاة من مظلات شيربورغ لجاك ديمي. بالترافق مع التجسيد المفعم بالحيوية لأيما ستون المقدمة لواحد من أفضل أداءاتها والمتفوقة بوضوح على رايان غوسلينغ الذي ظهر في عديد المشاهد منطفئا وغير منسجم مع الشخصية. إن محنة الفيلم الحقيقية هي محاولته الموازنة بين الخيال والواقع. أمر كسر الإيقاع الساحر للفتنازيا والذي يمثل عصب النجاح النمطي لأفلام الإستعراض، وهبط بمستوى المتعة حين انزوت جنيات الأحلام البصرية. وبرغم ذلك يمكن للا لا لاند أن يحتفي بكونه قطعة حلوى غيرت مذاق سينما الواقع الإفتراضي الحالية، وفيه من حيوية البشر ما يسعد إنسانيتك. فالأحلام هنا تعيش واقعها في مدارات فضاء الخيال دون الاضطرار للنزول لواقع متخيل حداثي. وحين تضاء الأنوار في صالة مسرح الجمال ستستمتع بشكل الإبتسامة التي خلفها الفيلم على الوجوه، مدركا بذات الوقت أن كل ما قدمه شازيل سيجعله شريطا سينمائيا جيدا، لكن حجزه لمكان في أرشيف الذاكرة سيكون محط جدل كبير.