وأخيراً أصلحنا القضاء. وحقّ لنا أن نتنفس الصعداء بعد ان تحقّقت أحد أهم مطالبنا في الإصلاح السياسي عبر بوابة تصحيح مسار السلطة القضائية.
ولكن كيف تم ذلك؟ يسأل المواطن الذي صكّت أسماعه شعارات إصلاح القضاء وتطهيره من الفساد، منذ أكثر من عام؟
يقال لهذا المواطن ان القضاء سيخرج من إدارة "الفرد" ليكون تحت رقابة البرلمان الذي بدوره سيختار أعضاء المحكمة الاتحادية العليا، ورئيس محكمة التمييز الاتحادية وقضاتها، الى جانب رئيس هيئة الإشراف القضائي. كما سيتولى البرلمان اختيار نائب رئيس محكمة التمييز الاتحادية، ورئيس محكمة الاستئناف الاتحادية، ونائب رئيس هيئة الإشراف القضائي.
لكنّ المواطن يكرر تساؤله: وأين يكمن الإصلاح عندما تقومون بوضع القضاء تحت رحمة برلمان مسيّس حتى النخاع؟ وما الضمان ألاّ تسوء أمور قضائنا بعد ان أصبح حلبة جديدة لتنافس قوى المحاصصة التي ستكرس سطوتها على مصائرنا، ولكن بصولجان القضاء هذه المرة؟
بالتأكيد ستتبدد فرحة المواطن عندما يكتشف كيف حوّلت الكتل السياسية شعارات الاصلاح الى واقع على الارض. وستتحول فرحة المواطن الى حسرة عندما يعلم أنّ للاصلاح معاني مختلفة ومزدوجة في القاموس السياسي، قد لا تلتقي بالضرورة مع فهمه ومصلحته. فما يراه محاصصة تراه الكتل والاحزاب إصلاحاً، وما يراه إصلاحا قد لا تراه الكتل كذلك.
فالكتل والاحزاب، التي كانت تنتقد أداء السلطة القضائية طيلة الاعوام الماضية، اكتشفنا أنها كانت تريد حجز مقاعدها ضمن طاقم المحكمة الاتحادية، ومحاكم الاستئناف والتمييز، ومجالس القضاء المحلية. فلماذا يبقى القضاء خارج دائرة تأثيرها؟ ولماذا لا تستخدمه لشرعنة أمزجة زعمائها، وتفصيل الدولة على مقاساتهم؟!
كنا نتوقع ان يجد البرلمان، ومن ورائه الكتل المتحاصصة والمتحازبة، حلاً لمعوقات تطوير قضائنا. فبينما لا يتجاوز عدد القضاة في العراق الـ 2000 قاض، فإن دولة كالاردن، ذات الستة ملايين نسمة، والتي لا تشكو اضطراباً أمنياً كما هو حالنا، تملك ضعف ما لدينا من قضاة.
كان الجميع يرى ان الاصلاح يحتم على البرلمان تقوية أركان القضاء وتحصين صرحه من التدخلات السياسية التي تستخدمه ضد الخصوم، ومنحه إمكانات مادية ومعنوية لضمان العدالة لجميع العراقيين من دون الحاجة للاحتماء بهذه الكتلة او ذلك الحزب. لكن البرلمان بتشريعه هذا القانون يكون قد كرس التدخل السياسي في عمل القضاء، وشرع أبوابه على مصاريعها امام الاحزاب.
لقد رفع العراقيون شعار إصلاح القضاء لكي لا يُجبر المعتقلون على الانتظار لعدة سنوات ريثما يفرغ قضاة التحقيق من الملفات المتكدسة على طاولاتهم، فيما يضطر كل قاضٍ للنظر في 60 قضية يوميا. طالب العراقي بإصلاح القضاء، لكي لا يدخل الى مباني كئيبة ومزدحمة، ينخرها الفساد والمحسوبيات، والابتزاز، والعلاقات المشبوهة، التي تحوّل الباطل حقاً، والحق باطلا.
إلا أن ما حدث ان البرلمان وكتل المحاصصة قامت بتشريع قانون يشرعن سطوة الاحزاب على السلطة القضائية، ويوقع شهادة وفاتها الى الابد.
وما يدعو للاستغراب والتأمل الطويل ان يتم تمرير هذا التشريع الهام بغاية المرونة والسلاسة على غير عادة البرلمان العراقي، ومن دون ان نسمع أصوات المعترضين، في جلسة حضرها 230 نائبا، رغم انها كانت عالية. لكنّ محضر الجلسة المثيرة للجدل، وبفعل فاعل، شاء ألا تدوّن اعتراضات المعترضين.
ويبدو ان البرلمان لم يكتف بتشريع قانون العفو العام سيّئ الصيت، ولا بتشريع قانون يسمح للنائب بملاحقة القضاة، فأراد ان يطلق رصاصة الرحمة بهذه الطريقة التراجيدية.
وبالرغم من ان التشكيلة السابقة للسلطة القضائية كانت تتضمن تمثيلاً واضحاً لكلّ المكونات العراقية، إلا ان الكتل السياسية أبت إلاّ ان يصطبغ القضاء بلون المحاصصة الفاقع والمبتذل.
إصلاح القضاء بمحاصصته!
[post-views]
نشر في: 18 يناير, 2017: 06:51 م