هل يمكننا ان نُحَوِّلَ الأشياء الزائدة عن الحاجة الى اعمالٍ فنية؟ وهل باستطاعتنا بالفعل استثمار المواد الأولية او المتريال في بعض ما نرميه وكنّا نعتقد انه يجب ان يتحول الى نفايات وقمامة؟ وماهو التعريف الحقيقي والجوهري للمواد الأولية التي تدخل في صناعة الفن؟ هل هي المواد والأدوات التي نشتريها من المخازن المتخصصة فقط، ام ان هناك حلولاً اخرى تنتظرنا في هذه الزاوية او ذاك المكان. كيف نجد هذه المواد و.كيف نطورها او بالأحرى كيف نوظفها لصالح الاعمال الفنية ونستثمر كل امكاناتها وطاقتها وما توحي به من تأثير وتعبير او حتى روح دعابة لم تخطر على بال أحد؟ لكن قيمة هذه الاعمال تبقى بالتأكيد متعلقة بالنتائج التي يفضي عنها استخدام هذه المواد، وتكون أهميتها مرتبطة بقوة الابتكار وسبب اختيار الخامة والتوظيف المناسب.
هكذا انطلقت فكرة مشروع مؤسسة (روح المحيط) في كينيا، هذه الدولة الأفريقية التي تقع على ساحل المحيط الهندي والتي تملؤها البطالة، حيث تقوم هذه المؤسسة بجمع نفايات البلاستيك من المحيط لتحوله الى اعمال فنية تعكس روح طبيعة وجمال أفريقيا. هذه المواد البلاستيكية التي تغطي مسحات واسعة من المحيطات تمثل مشكلة كبيرة لم يجد خبراء البيئة لها حلاً جذرياً، هم الذين أطلقوا عليها تسمية (شوربة البلاستيك) التي بدأت تتسع وتكبر مع الزمن، لتصبح المساحة الكلية للبلاستيك فوق سطوح المحيطات ما يعادل أربعة وثلاثين مرة مساحة دولة مثل هولندا!!
لهذه الدوافع انطلقت الفكرة وتجمع الخبراء والمساعدون والفنانون بينهم ليشكلوا فريقاً لتنظيف المحيط ثم تحويل هذه النفايات الى منحوتات ملونة تبهر البصر. تطورت الفكرة ووصلت الى اماكن بعيدة في العالم، ونجحت ليس فقط لأنها أنتجت اعمالاً فنية جميلة، وإنما لأن حكايات رائعة تقف خلفها، وقصة ناسٍ حوَّلوا كل هذه الأشياء المهملة الى اعمال فنية ممتعة وتدخل القلب. أعمال هذه المؤسسة في تدفق مستمر الآن، ووصلت سمعتها الى الصحف العالمية والقنوات التلفزيونية بسبب ماتقوم به من عمليات لغسل البيئة وتنظيف الذوق ايضاً. اكثر المواد البلاستيكية التي يجمعونها ويستعملونها في المشروع هي النِعل او الشباشب البلاستيكية التي يرميها الناس بمجرد حدوث قطع بسيط فيها، وقد استعملوا في السنة الماضية أربعمئة الف شبشب وأعادوا تدويرها لتتحول الى اعمال فنية. وبهذه الطريقة المبتكرة بدأ التخلص من كميات كبيرة من البلاستيك الذي يلوث المحيط، وكان يؤدي الى موت الكثير من الطيور وحيوانات البحر التي تتناول اجزاء منه مع طعامها.
كل مجموعة أشخاص من مؤسسة روح المحيط تناط بها مهمة معينة، فهناك ستون شخصا يجمعون البلاستيك من المحيط، ويحولونه الى اماكن خاصة يٌنَظَّفُ فيها ويُهَيأ للعمل، ثم ينقل الى مجموعة من الفنيين الذين يقررون تقطيعه الى الحجوم المناسبة، ثم يأتي دور الفنانين الذين يحفرون عليه أعمالهم ويقدمونها بصيغتها النهائية. وهكذا تحول الكثير من النحاتين في كينيا الى مشروع روح المحيط وبدأوا بصنع اعمال من البلاستيك بدلاً من الخشب، وبهذا حافظوا على الغابات وحموها من التقطيع العشوائي. كذلك أوجد وابتكر هذا المشروع فرص عمل لآلاف الناس في كينيا التي تُعَدُّ رابع دولة في العالم من حيث البطالة. ثم يأتي الهدف المهم الآخر لهذه المؤسسة، وهو حماية البيئة وتنظيف المحيطات من التلوث.
استثمر هذا المشروع بشكل جميل الحيوانات الافريقية وعكسها في اعمالٍ ملونة، فظهرت في أعمالهم الزرافات والاسود والأفيال غيرها، وهكذا نقلوا هذه الحيوانات من السافانا الافريقية وأعادوها الى الحياة من خلال تدوير البلاستيك، حتى بدأت أعمالهم تشرق في كل مكان، فيظهر لك عمل كبير وجذاب من اعمالهم في احد مراكز التسوق الاسبانية او مدخل مطار في هولندا أو كما فاجأوا الكثيرين بأكبر عمل قاموا بتنفيذه حتى الآن، والموجود الآن في احدى الشركات الألمانية متعددة الجنسيات.
شوربة البلاستيك
[post-views]
نشر في: 20 يناير, 2017: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...