القسم الأول
(كيف يمكن لبيتٍ شعري للمتنبي أو حوارية صغيرة لشكسبير أو مقطع شعري لبوشكين أن يدوخ بنا، وكيف تعجز قصيدة عصماء عن ان تهز فينا وتراً أو تحرك عصباً ...إن الأمر يتصل بما نريد أن ندعوه روح الكتابة ، ولانظنها مفصولة عن روح الكاتب المبثوثة في كتاباته)
من كتاب (الكتابة بحبر أسود)
في كتابه الثري والممتع )الكتابة بحبر أسود ( ، يصحبنا الكاتب الكبير ، مستنير الفكر وأنيق العبارة واللغة، الدكتور (حسن مدن) في جولة فكرية وإبداعية داخل مملكة الكتابة والكتّاب والكتب والقراءة ويقدم لنا خلاصة معرفة وعمر من القراءة والإنجاز، يختص القسم الأول من الكتاب بفعالية الكتابة، وفي القسم الثاني نستكشف عالم الكاتب مبدعاً ومنتجاً لفعالية الكتابة ومتى يتوقف الكاتب عن الكتابة وعن الكاتب وشخصياته المستقلة ولمن يكتب الكاتب ؟؟ أما القسم الثالث فهو سردية ساحرة عن عالم الكتب وأسئلتنا حولها : هل نحيا الحياة أم نحيا في الكتب ؟؟ وما الذي يتبقى من الرواية حين تسقط منها أحاديث المدن والأمكنة التي جرت فيها الأحداث ؟ وكم من الكتب علينا ان نقرأ ؟؟ وأي الكتب التي اسهمت في تحرير عقولنا ، وماذا يتبقى من الكتب ؟
في القسم الأول نتجول بين متاهات مملكة الكتابة، يطلعنا الكاتب على سحرها وفتنة المكتوب والمقروء ، نستكشف معه عوالم الكتابة المثيرة ؛ فنقرأ عن بصيرة القلب التي تنبع منها الكتابة الحية ، نتلمس خلاصة أكيدة : الكلام عابر والكتابة هي الأبقى ، نتعرف معه على الينابيع التي يستقي منها الكتّاب مادتهم وهو يحدثنا بلغة العارف وحرفية الكاتب المتمرس ورؤى الشاعر عن أسرارالكتابة : عن الجملة الأولى والخلطة السرية للعناصر التي لايتقنها سوى الكاتب الجيد ، ويحدد سمات الكتابة الحنون والكتابة الغليظة والكتابة المترهلة وآية النص العظيم الذي يمتلك اكثر من حياة ، يحدثنا عن جوهر الكتابة و مزاجها وشياطينها وتفاصيلها الصغيرة وغموضها ويعرض لنا مجموعة من الكتاب والروائيين والشعراء وأدواتهم وآلياتهم في الكتابة ويحدثنا بخبرة الكاتب موسوعي الثقافة عن أدوار كل من الحكي والكتابة والصورة في مجتمعاتنا الحديثة وقدرة كل منها على التوصيل في مجتمعات معينة : فالحكي يحيل إلى الثقافات الشفاهية قبل ان تهتدي البشرية الى اختراع الكتابة ومايزال الحكي مؤثراً في كثير من المجتمعات النامية التي لم تنتشر فيها عملية التدوين وهي مجتمعات تهددها الآن – ياللمفارقة- ثقافة الصورة بهيمنتها المطلقة في الإعلام وهي توهم الناس بأنها أضحت المرجعية الوحيدة وانها البديل عن الكتابة والتدوين.
يطوف بنا الكاتب داخل عوالم الكاتبات اللائي شغفن بالكتابة ويتساءل عما إذا كانت هناك لغة كتابة خاصة بالنساء ، ويتوصل الى خلاصة مفادها ( ان الكتابة فعل انساني غير محصور في جنس من يكتب – رجلاً كان أو امرأة – وإنما يرتبط بقيمة الإبداع الفنية ، لكن هذا لاينفي الخصوصية المرتبطة بانعكاسات جنس الكاتب وآثار الاختلافات السيكولوجية والظروف الاجتماعية على عملية الكتابة ). ويستشهد في هذا الباب بشهادات عدد من الكاتبات الشهيرات اللائي تحدثن عن علاقة المرأة بالكتابة ، فهذه توني موريسون ترفض الحديث عن رواياتها باعتبارها روايات نسوية ؛ لأنها لاتريد وضع نفسها في مواقف معلنة النهاية أو مغلقة الأطراف ؛ فكل ماتقوم به في عالم الكتابة كان بهدف توسيع الأفق لا لإغلاقه ، وندع السؤال مفتوحا على احتمالات الإجابة غير المحسومة عن الأدب النسوي لنكمل جولتنا الممتعة في بساتين الكتّاب والكتب والقراءة.
يتبع
الكتابة بحبر مضيء
[post-views]
نشر في: 21 يناير, 2017: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...