TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > اغتالته السلطة في الرابع عشر من حزيران سنة 1902

اغتالته السلطة في الرابع عشر من حزيران سنة 1902

نشر في: 12 فبراير, 2010: 04:37 م

والكواكبي واحد من أجدادنا الأفذاذ ـ رواد النهضة الذين حاولوا النهوض بالواقع إيماناً منهم بمسؤوليّة العلماء في  توعية الناس ليقدروا على المطالبة بحقوقهم بعد أن يدركوا أنّهم بشر أحرار في صنع مـصائرهم .وبالرغم من أنه واحد من القلائل الذين تُذكر أسماؤهم في الكتب المدرسيّة ، نكاد لا نعثر إلاّ على عدد ضئيل ممن  يعرفون إسهاماته في محاولة النهضة العربية تحت لواء علم عربي واحد ، لا يتعارض وجوده مع رابطة تضمّ
الشعوب الإسلاميّة ،ولا يتنافى ودخول العرب في تحالفات مختلفة مع الآخرين . وكثير منهم لا يعرفون صيحاته التي تندد بالاستبداد ، وتدعو إلى تحرير العقول من الجمود، وتطالب بضرورة الاجتهاد في الإسلام الذي وُجد من  أجل سعادة الإنسان .ولد الكواكبي عام / 1855 / وتنقّل بين حلب وانطاكية لمتابعة دروسه ، وكان يتقن الفارسية والتركية إلى جانب لغته الأم . أمتاز بنشأته ذات الثقافة الدينية ، وتربيته العلمية ، حيث تلقى علوم الشريعة والفلسفة والاقتصاد والسياسة.عمل في صحيفة ( فرات ) ثم ضاق ذرعاً بها ، فأنشأ أول صحيفة مستقلة في حلب ( الشهباء ) وهو في الثانية والعشرين  من عمره ، إلاّ أن السلطات أغلقتها لأنها هاجمت فساد الإدارة في الحكم .ثم أصدر صحيفة ( اعتدال ) بالعربية والتركية ، ما لبثت أن توقفت أيضاً . عمل في أعمال كثيرة منها الصحافة والمحاماة ، واستلم مناصب متعددة كرئاسة غرفة تجارة حلب ، ورئاسة البلدية .حكم عليه بالإعدام لكنّه برّيء عندما دافع عن نفسه بعد انتقال محاكمته إلى بيروت .ثم هاجر إلى مصر ليتابع نشر فكره الإصلاحي بعيداً عن ضغط استبداد الحكومة ، وكان يحمل معه  مخطوطي( أم القرى ) و ( طبائع الاستبداد ) حيث نشر فصولهما في الصحف المصرية حتى ذاع صيته .ثم سافر إلى آسيا وأفريقيا للتعرف إلى أحوال العرب والمسلمين هناك ، ولكن ما لبث أن عاد حيث دسّ له السم في فنجان قهوة بإيعاز من السلطات، وبموته فقدنا أحد أقطاب الفكر العربي الحديث. كانت صحافته مفقودة ، حتى عثر على بعضها الباحث ( جان داية ) في إحدى جامعات ألمانيا مؤخراً ، ونشرها في كتاب ( صحافة الكواكبي ) وقد تناولته بالدراسة في كتابي ( الاستبداد وبدائله في فكر الكواكبي ) أما مؤلفاته المفقودة التي لم يتم العثور عليها فهي: ( صحائف قريش ـ العظمة لله ـ أمراض المسلمين والأدوية الشافية لها ـ أحسن ما كان في أسباب العمران ـ ماذا أصابنا ؟ وكيف السلامة ؟ ) . أما كتاب ( طبائع الاستبداد ) فهو أهم ما كتب الكواكبي.ومن خلاله استطاع أن ينهض بفكره وسط القمع والجهل والتخلّف.عاش الكواكبي واقعاً موبوءاً بسيطرة العثمانيين من جهة ، وبجهل مواطنيه وتخلّفهم من جهة ثانية، وهو المطلّع على أفكار التحرر الأوروبية والمتشبّع بالأفكار الإسلامية الأصلية ، مستنداً إلى تراثٍ عربيّ عريق . وقد لاحظ الواقع  الفاسد ، وتساءل عن أسباب التدهور ( الذي يسميه الفتور ) لدى الشعوب الإسلامية عموماً ، والأمة العربية خصوصاً ، ورأى أنها تنقسم إلى ثلاثة أقسام :ـ دينية وسياسية وأخلاقية ، حيث انتشرت عقيدة الجبر وساد الجدل والتشديد وفشا الزهد والتهاون ، مما أدّى إلى تحريف  الدين ، وفقدان الحرية في ظل السلطة المطلقة والحكم المركزي ، وقد تفرق المسلمون إلى أحزاب وفرق ، فانعدم التنظيم  والعدالة والمساواة والشورى ، وكثر النسل ، وفقدت التربية ، وأهمل تعليم النساء ...هذا في حين أن الإسلام أتاح للمسلمين فرصة الالتقاء والتشاور عن طريق الجمعة والجماعة والحج ، وأرشدهم إلى  الشورى والعدالة ، وخصّهم على طلب العلم .بعد مناقشة تلك الأسباب العديدة حاول الكواكبي أن يرجع الشرور الاجتماعية كلَّها إلى عامل يؤدي إلى تعطيل النظام السياسي المنوط به كل شيء في النهاية ، فاكتشف الاستبداد ، علة العلل ، وذلك لأنه رأى أن التخصص في العلة يؤدي إلى التخصص في الحل . يقول بعد ثلاثين عاماً من الدراسة : " تمحّص عندي أن أصل الداء هو الاستبداد السياسي " . وأن الانحطاط عرض له ، والاستبداد في حقيقته سياسي يستند إلى أيديولوجيا فكرية إلى جانب الجيش  والمال حيث تجتمع عناصر الاستبداد الأساسية، الفكر والثروة والسلاح ، وذلك لأن السياسة هي التي تسيطر  على المؤسسات الأخرى في النهاية .وقد عرّف الكواكبي أن الاستبداد لغةً بقوله : " هو استئثار المرء في ما تجب عليه المشاركة فيه " وعرّفه اصطلاحاً بقوله " هو تصرّف فرد في حقوق القوم بلا حسيب ولا رقيب "يقول " ويراد بالاستبداد عند إطلاقه استبداد الحكومات خاصة " .فالاستبداد الأكبر هو الاستبداد السياسي الذي تنطوي تحته كل الاستبدادات ، وهو تصرف أشخاص السلطة الحكومية في  حقوق الشعب من غير قانون بما يخدم أهواءهم ومصالحهم .ويفرّق الكواكبي بين السياسة والاستبداد ، فالسياسة هي إدارة الشؤون المشتركة بمقتضى الحكمة ، أما الاستبداد فهو  التصرف في الشؤون المشتركة بمقتضى الهوى .ويمكن أن يقوم بالاستبداد فرد أو جماعة ، و على اختلاف أشكاله يتمثل بغياب القانون أو تغييبه من خلال إمكان الحكّام  إبطال قوة القيد متى شاؤوا .نستدل على الحكومات المستبدة من ملاحظة

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram