ما هو أكيد أن المفكر الكبير عبد الرحمن الكواكبي، يوم رحل عن هذه الدنيا مطلع القرن الماضي، ترك وراءه كتابات ومخطوطات لا يمكن الاستهانة بها، بقيت طي الكتمان، ولم تنشر إلى اليوم. ورغم ان كتابا وصحافيين عدة، كتبوا يومها عن مخطوطات له، في جعبتهم، ينوون نشرها إلا انهم لم يفعلوا، ربما إهمالاً، وعلى الأرجح خوفا من السلطان الجائر. هذا يعني ان الكثير مما كتبه الكواكبي ما يزال مجهولاً،
ولكن المثير في الأمر ان الجزء اليسير الذي نشر، مما تركه الكواكبي مخطوطاً، لم يكن في أي دولة عربية او أوروبية وإنما في صحيفة أرجنتينية تسمى «السلام» كان صاحبها يقيم في الأوروغواي. وقد نشرت هذه الجريدة للكواكبي، بعد وفاته بعشر سنوات، مقالات أو دراسات، قريبة جداً في روحها من كتابه «طبائع الاستبداد»، نلقي الضوء عليها هنا، وعلى ما جاء فيها، متسائلين، عن سر اختفاء مخطوطات الكواكبي. «الرحالة ك» ظلمه الاغتراب حياً وميتاً جان دايه بُعيد وفاة عبد الرحمن الكواكبي في القاهرة بتاريخ 13 يونيو 1 حزيران 1902، رثاه معظم الصحافيين والادباء المصريين والشوام، ولم ينسَ بعضهم ان ينوه بوجود آثار للفقيد الشهيد ـ سمم له الخديوي عباس الثاني بايعاز من السلطان عبد الحميد ـ ووعدوا بنشرها في دورياتهم. وقد كتب محرر مجلة «نور الاسلام» في 21 يونيو 1902: «سننشر فصولا من انوار عرفانه بالتتابع في مجلتنا». واضاف في مكان آخر من الرثاء: «سنزين نطاق المجلة في الاعداد التالية بما وعدنا بنشره». وختم محرر «الاهرام» رثاءه المنشور في 13 يونيو 1 حزيران 1902 بقوله: «اذا كان الفقيد قد مضى، فإن له آثارا مخلدة تنفع الشرق والشرقيين، وكتابات لا تزال تنشر». وينقل الحفيد سعد زغلول الكواكبي في كتابه المتمحور على سيرة جده رثاء الصحافي اللبناني المتمصر ابراهيم سليم النجار وقد ورد فيه: «ذهب الرجل الذي يضع تاريخ ثورات العالم في كتاب يكون للامم المستعبدة مثل الباب تدخل منه الى بيت الحرية المنير». وبعد حوالى العام من رحيله، وعد بشير يوسف (الانطاكي) في العدد الاول من جريدته «القاهرة»، الصادر في 11 ابريل 1 نيسان 1903 انه سينشر «بعض مؤلفات الكواكبي غير المنشورة» في اعداد لاحقة من جريدته. وفي الجزء الثاني من مذكراته.. يقول محمد كرد علي: «اما كتاب «العظمة لله» فهو كتاب سياسي كسائر ما خطته يمينه. وقد قرأ لي مقدمته». وينوه احد ابناء الكواكبي (اسعد) في رسالة الى اخيه رشيد بمخطوطة «الانساب» التي اخذها محمد رشيد رضا. ويشير الكواكبي نفسه في مستهل كتابه «ام القرى» الى مخطوطة «صحائف قريش». ويؤكد ابنه اسعد ان المخطوطة كانت معدة للطبع، ولكن رحلات والده ثم موته، تسببت في فقدانها. وفي كتابه «دليل مصر والسودان» يقول صديق الكواكبي الصحافي والاديب الحلبي عبد المسيح الانطاكي «لدينا نحن بعض ما ترك - الكواكبي- من نفثات اقلامه مما لم يطبع بعد. وربما نشرنا قسما منها في دليل السنة القادمة ان شاء الله». وباستثناء بعض المقالات التي نشرها رضا في مجلته «المنار»، وبعض الاحاديث التي تذكّرها عبد المسيح الانطاكي ونشرها في جريدة اخيه «القاهرة» وذيّلها بتوقيع «نديم الكواكبي»، فإن شيئا من تلك الكتابات لم ينشر، لا في الدوريات، ولا في كتب مستقلة. وربما يعود ذلك الى ان الزملاء الذين وعدوا بنشر نتاج الكواكبي الموجود في ارشيفهم، كانوا يقيمون في مصر، ويصدرون دورياتهم في القاهرة، حين كان خديوي مصر وقتذاك خصما للكواكبي، او بالاحرى اصبح كذلك بعد ان زار اسطنبول وتصالح مع سيد قصر يلدز. اما الجزء الاخر المفقود من مخطوطات الكواكبي، فمن المفترض انه يقيم سعيدا في محفوظات تركيا لمرحلة الحقبة العثمانية. ولكن، اذا كان متعذرا نشر بعض نتاج الكواكبي في مصر، وخلال حكم الخديوي اسماعيل الثاني، فان النشر في دولة اخرى، او بعد سنوات من استشهاد الكواكبي، يمكن ان يكون قد حصل. وانطلاقا من هذه الفرضية، فتّشت عدة مجلدات لدوريات عربية قديمة، صدرت في القارة الاميركية، ومنها جريدة «السلام» الارجنتينية. وعثرت في الاخيرة على سلسلة مقالات مذيّلة بتوقيع مستعار: «الرحالة ك». والجدير ان هذا التوقيع توّج به الكواكبي كتابه «طبائع الاستبداد». افتتح الرحالة دراسته المهداة «الى الامة العربية الكريمة» بمقدمة طرح فيها عدة تساؤلات على غرار ما فعله في الصفحات الاولى والاخيرة من كتابه «طبائع الاستبداد». ولنقرأ نماذج من تلك التساؤلات: 1- هل يجب ان تخضع الامة لهذه القوة - أي الحكومة - خضوعا مطلقا لا حدّ له او ان هذه الامة تحدد لنفسها دائرة نظامية تخضع فيها لهذه القوى خضوعا يكون من ورائه حفظ توازنها المدني وعدم خروج اعضائها من هذه الدائرة النظامية؟. 2- هل
مخطوطات عبد الرحمن الكواكبي «المخيفة» ظهرت في الأرجنتين!
نشر في: 12 فبراير, 2010: 04:40 م