اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > لماذا فشل الكواكبي؟

لماذا فشل الكواكبي؟

نشر في: 12 فبراير, 2010: 04:42 م

رضوان زيادة التفكير في الاستبداد ملازمٌ للتأمل في نمط إدارة الدولة، أي أن البحث في أسباب طرق السيطرة والعسف في استخدام السلطة يقود بالضرورة إلى بلورة نظرية عن الاستبداد كشكلٍ من أشكال السلطة التسلطية أو الشمولية. إذا عدنا إلى جذور التفكير في الاستبداد كنظرية قائمة على استثمار موارد الدولة لمصالح خاصة تحتكر السلطة وتعيد إنتاج الدولة ذاتها كأحد تعبيرات السلطة أو مفرزاتها،
لوجدنا أن ماكيافيلي كان أول من اعتبر أن السلطة السياسية قوة يتم امتلاكها لأجل إقامة الدولة، بل إنه قد فكّر في الدولة كقوة تقوم على الضرورة والتدخل في الواقع لأجل التحكم فيه، إذ ليست الدولة وسيلة لتحقيق السعادة أو الفضيلة أو الحكمة كما رأى أفلاطون وأرسطو، بل هي قوة فعّالة غايتها التسلط والإكراه. بيد أننا إذا عدنا إلى جيرار ميري الذي يعد من أبرز دارسي ميكافيلي لوجدناه يؤكد أن أصالة ميكافيلي تكمن في كونه أعاد التفكير في السياسي إلى بنية العالم التاريخي، وهو بذلك هيّأ للحداثة السياسية الطريق لبناء الدولة التاريخية على أسس إنسانية. لكن المبدأ الذي حكم السياسة وفقاً لأمير ميكافيلي كان قائماً على السيكيولوجيا الخاصة بالطبيعة البشرية، إذ على الأمير ألا يبني سلطته على الأخلاق ومبدأ الفضيلة، بل على فساد الطبيعة البشرية وتناقضاتها الداخلية، لذلك، ينصح ميكافيلي الأمير بضرورة إقامة سياسته على القوة والترهيب أكثر من الرأفة واللين، وعلى ضوء ذلك، يمكن اعتبار كتاب الكواكبي (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) كمرآة معاكسة ونقيضة لما كتبه ميكافيلي، ذلك أن الكواكبي كان همه لدى كتابة الكتاب تحذير الناس من أن "أصل الداء هو الاستبداد السياسي ودواؤه دفعه بالشورى الدستورية". لكن –الرحالة ك- وهو الرمز الذي أطلقه على نفسه عند نشره للكتاب أراد دراسة الآثار التي يخلفها الاستبداد على أحوال الناس ومعاشهم أكثر من رغبته في دراسة أصول نشوء الاستبداد أو حتى تطوير نظرية خاصة به لأن ذلك كما ذكرنا في البداية يتطلب تطوير رؤية خاصة سابقة عن الدولة وآليات تشكيلها، والكواكبي أراد قراءة تضاعيف الاستبداد على نمط الدولة العربية – الإسلامية الموجودة في زمانه. إن الجو الفكري الخانق في بلاد الشام في تلك الفترة جعل الكواكبي وجميع رفاقه من أهل القلم الذين رغبوا في التعبير عن أفكارهم أكثر من رغبتهم في التملق للسلطان يهاجرون إلى مصر التي قدمت حرية أوسع للتعبير، وقد ظهرت القاهرة باعتبارها المركز الفكري للشرق العربي، ومرتعاً لولادة المثقفين الجدد، وذلك لأنها قامت جزئياً بوظيفة الملاذ والمأوى للشخصيات السياسية والفكرية المخالفة في الرأي في الامبراطورية العثمانية، فعبد الحميد الزهراوي هرب في عام 1902 إلى مصر، أما طاهر الجزائري فقد هاجر إليها في عام 1907 واستقر كل من رشيد رضا والكواكبي فيها. فالكاتب كان مطارداً ومنفياً، وتجربته في إصدار الصحف كالشهباء والاعتدال دليلٌ آخر على ذلك، مما جعل كتابه يمتزج بالكثير من التجربة الشخصية وانفعالات الموقف المباشر وهو ما منعه- رغم رياديته- من العودة في التفكير في أصل الاستبداد التاريخي أو القانوني على ما وجدنا عند هوبز مثلاً. الاستبداد بالنسبة للكواكبي هو تصرف فرد أو جمع في حقوق قوم بالمشيئة وبلا خوف تبعه، كما أن صفةٌ للحكومة المطلقة العنان فعلاً أو حكماً التي تتصرف في شؤون الرعية كما تشاء بلا خشية حساب ولا عقاب محققين. وأشكال هذه الحكومة المستبدة تشمل حكومة الحاكم الفرد المطلق التي تولّى الحكم بالغلبة أو الوراثة، وتشمل أيضاً الحاكم الفرد المنتخب متى كان غير مسؤول، وتشمل حكومة الجمع ولو منتخباً، لأن الاشتراك في الرأي لا يدفع الاستبداد. بيد أن أشد مراتب الاستبداد التي يتعوذ بها من الشيطان هي حكومة الفرد المطلق، الوارث للعرش، القائد للجيش، الحائز على سلطة دينية. ولنا أن نقول كلّما قلّ وصفٌ من هذه الأوصاف خفّ الاستبداد. يعيد الكواكبي الاستبداد إلى محض تفرد بالقرار وبالأمر والنهي، إنه نمطٌ من مماهاة ميكافيلي ولكن بطريقٍ معاكس، فإذا كان الأخير يوجه نصائحه إلى الحاكم أو الأمير ليضمن له سيطرته المطلقة، فإن الكواكبي يحاول توصيف الاستبداد على أساس السيطرة المطلقة نفسها. إن السلطة السياسية تستوجب قوة السلطة لتضمن احترام البشر للقوانين، فالسيادة هي الأساس الذي يجعل هذه السلطة مطلقة ودائمة داخل الدولة، أو هي الأساس الذي تقوم عليه هذه السلطة والذي بموجبه تسمى "سلطة السيادة "، فبالنسبة لجان بودان تُعتبر السيطرة المطلقة نمط من أنماط تضخم السيادة لدى السلطة، لكنها لا بد تنزع تدريجياً باتجاه إعادة دور المجتمع ضمن الدولة ذاتها، وعلى ذلك فتكون السلطة المطلقة مرحلة تاريخية لا تلبث الدولة ذاتها أن تراجع نفسها لإعادة تحديد وتعريف دورها. هنا الأمر مختلف كلياً لدى الكواكبي الذي ينظر إلى الاستبداد كداءٍ لا بد من التخلص منه بأي ثمن ومهما كان الثمن، دون أن يحاول النظر في العلاقة بين الإرث التاريخي للاستبداد وبين مأسسة هذا الاستبداد عبر تقعيد أطر بناء الدولة الحديثة. وبرأيي فإن أكبر تحدٍ منع الكواكبي من تجاوز فكرة طبائع الاستبداد إلى آليات تدميرها في الثقافة العربية والإسلامية يعود إلى عدم قدرته على إنجاز القطيعة في المزاوجة بين فك

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ليفربول يخسر وديا أمام بريستون

مجلس الخدمة ينشر توزيع حملة الشهادات والاوائل المعينين حديثا

البرلمان يشكل لجنة إثر التجاوزات على اقتصاد العراق وأراضيه

بايدن يرفض دعوات الانسحاب من الانتخابات الامريكية : انتظروني الأسبوع المقبل

وفاة محافظ نينوى الأسبق دريد كشمولة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram