ali.h@almadapaper.net
عاش الشاعر سيد حجاب حياته ، وهو يحمل قضية واحدة نذر شعره لها، هي قضية الفقراء ، والبحث عن الحرية والأمان لهم ، شيّد لنفسه بساتين من القصائد التي تغنّت بالأمل والثورة على الظلم ، كان حجاب واحداً من صنّاع أحلام هذه الأمة التي وجدت نفسها مؤخراً تختار الظلام والسبي والقتل والموت ، وتصفق شعوبها لصنّاع الدمار وموسعي المقابر.
يقول المؤرخ اريك هوبزباوم :" لا يمكن فهم هذا العالم ، من غير أن نفهم الأحلام التي راودت الشعوب. وكذلك الخيبات التي حاصرتها ."
" من عتمه الليل ، النهار راجع ..ومهما طال الليل بيجي نهار
كانت هذه أولى أحلام سيد حجاب ، التي صاغها لتكون مقدمة لمسلسل "الأيام" ، سيرة عميد التنوير العربي طه حسين ، الذي أصر الإخوان المسلمون في عام حكمهم الكئيب ، ان يهدموا تمثاله ، لأنهم لايؤمنون بإمارة الفكر ، فلا أمير عند أحزاب الإسلام السياسي ، سوى التعصب والطائفية والجهل ، لم تكن في كلمات سيد أية ظلال لافتعال ثوري، لم يكتب شعارات جوفاء، بل استطاع ان يغوص في أعماق الإنسان البسيط المتطلع الى عالم أفضل، ليستخرج منها بكلمات عامية بسيطة وبليغة، أجمل ما فيها من أغنيات وقصائد راح ينثر بها الدعوة إلى رفض الظلم والطغيان، مترجماً مشاعر وأحلام وأفراح ملايين الناس إلى كلمات حيّة متوثّبة مليئة بالدفء والحياة والدعوة للعدل الاجتماعي .
وياموج بحر الليالي عديتك وانت عالي
ودفعت المهر غالي بالأيام والسنين
في يومياته التي كان يكتبها بجريدة أخبار اليوم ، يروي حجاب حكايته مع الأمل والتطلع الى المستقبل، ويدلنا على الفتى الذي غادر قريته في صعيد مصر ليحط في القاهرة ملبياً نداء االشعر والكتابة ، هناك يصر ان يتلصص على الشعراء الكبار ، ويقدم ديوانه الأول " صياد وجنيّة " الى الشاعر عبد الوهاب البياتي ، الذي يكتب له مقدمة يقول فيها :"هذا الشاعر الشاب مهموم بقضية واحدة وهي التأثير المباشر للقصيدة على الغالبية من عامة الناس ، ليس فقط تنويراً لرؤيتهم ولكن مجابهةً لما يجري وتحريضاً على رفض الظلم والنهوض صوب المستقبل "
متسرسبيش يا سنينا من بين إيدينا
و لا تنتهيش ده إحنا يادوب ابتدينا
سيد حجاب حكاية عن زمن مختلف، الطوائف فيه عارضة، والدين فيه أقرب إلى الحرية الشخصية من الفرض الاجتماعي، والنضال ضد الظلم فرض على كل مثقف، اختار حياته على طريقة الشعر: موزاييك من حكمة الشعوب وروحها المرحة والعميقة .
يغيب سيد حجاب وتطوى معه صفحة من زمن جميل مضى ، كان قد حذرنا من تسربه بغفلة منا: "و ينفِلِت من بين إيدينا الزمان ..كأنه سَحبة قوس في أوتار كمان " ، فيما نحن لانريد ان نترك للأجيال القادمة سوى بلدان تحولت الى خيام ، وبرلمانات اشبه بمنابر للتهريج، لم نترك لهم حنيناً يعودون إليه، ولا حتى ذكريات يشتاقون إليها
وتنفرط الايام عود كهرمان
يتفرفط النور و الحنان و الأمان