اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > تـحـريـر الكـتـب مـن الـسـجــن والـنـفــي والـحـريــق

تـحـريـر الكـتـب مـن الـسـجــن والـنـفــي والـحـريــق

نشر في: 12 فبراير, 2010: 05:19 م

نجم واليإلى عاشق الكتب محمد خضيرقبل أيام قرأت خبراً "طريفاً" في إحدى الصحف، يتحدث عن تأسيس جمعية تدعو لتحرير الكتب. قلت لنفسي، أنه خبر جيد؛ لماذا لا، خاصة وأن الكتب في النهاية هي كائنات حية، تشبه البشر، ومصيرها غالباً لا يقل دراماتيكية عن مصائر الكثير منهم.
أليس هناك آلاف الكتب المرفوضة من النشر، الممنوعة، المطاردة، المتهمة بالزندقة والتهكم، المحروقة، المحبوسة في خزانات مختومة بالشمع الأحمر، التي لا مكان لها على الصفحات الثقافية في الصحف الحكومية، أو إذا قُدر لها ونجت من مصيرها المأساوي، فإنها ستُعامل بصورة سيئة تدعو للرثاء من قبل ناشريها "البائسين". كل الحالات تلك تدعو للخوف، ومن يدعي الحرص على الكتب، ويتحدث عن عشقه لها، عليه التدخل الفوري لإنقاذها، قبل فوات الأوان، وخاصة عندما يكون بوسعه فعل ذلك.أعرف أننا نقف أحياناً مكتوفي الأيدي، لا نستطيع إنقاذ كتاب، وكم يصعب علينا الوضع، عندما نعرف أن علينا اتخاذ القرار السريع، نُجبر على الاختيار بين هذا الكتاب أو ذاك، عندما نسمع وقع أقدام جزمات الشرطة والعسس وزوار الفجر وكارهي الكتب، وأنهم سيدخلون في أية لحظة، ليصادروا كل الكتب التي تقع أيديهم عليها. أكتب ذلك، وأتذكر كل القبائل "المتوحشة" التي حرقت الكتب على مر التاريخ، من حريق مكتبة الإسكندرية إلى حرائق مكتبات بغداد، من حرائق مكتبات قرطبة إلى حرائق مكتبات ألمانيا، من حرائق مكتبات سانتياغو دي شيلي والجزيرة السوداء حيث مات حزناً الشاعر العجوز بابلو نيرودا محتضناً كتبه ومحاراته البحرية وحرائق مكتبات ساراييفو، من حرائق مدينة بوينيس آيريس وحتى آخر حريق للكتب كان عليّ أن أعيشه في مدينتي الجنوبية، أمام باب الدار، كان عليّ أن أرى "جمهورية" افلاطون، التي كانت أول من طالتها النيران، حولها "قصر الشوق" و"منزل الموتى، "عناقيد الغضب" و"شارع السردين المعلب"،  الذين كانوا يحترقون إلى جانب الجمهورية؛ في ذلك الوقت لم استطع إنقاذ إلا كتب ثلاثة هربتها معي لاحقاً، عبر الحدود، عندما تركت البلاد ورائي إلى قطاع الطرق ومشعلي الحرائق، نعم ثلاثة كتب فقط، حررتها من جحيم تلك البلاد التي كان أسمها "الجمهورية العراقية"، ثلاثة كتب ظلت تصاحبني حتى الآن: "قوت الأرض" لأندريه جيد، "زمن القتلة" لهنري ميلير، و"مائة عام من العزلة" لغارسيا ماركيز.ولكن ماذا عن حرائق الحقد التي نراها تشتعل يومياً في بلادنا في أروقة المؤسسات الثقافية وعلى صفحات الجرائد؟ كم هو عدد الكتب التي تُحرق يومياً هناك؟ أي رماد تتركه خلفها وأية غصة في الحلق، أي جفاف؟هناك كتب تُقطع بالسكاكين أو يُطلق عليها الرصاص، ألم يفعل المتوحشون ذلك مع حسين مروة، رجل عجوز ضرير؟ دخلوا عليه، إلى بيته في بيروت وقتلوه على مرأى من شريكة حياته، العجوز، والتي لم تستطع إنقاذ رفيق حياتها ولا كتبه التي حرقوها أمام عينيها. ترى هل استطاع كتاب ما النجاة في ذلك الصباح البيروتي الدامي؟ هناك كتب تُمزق بطريقة أخرى، على يد ناقد، لا يكتفي بالتعرض لها بقلمه فقط، إنما يظهر على غلاف مجلة جماهيرية فخوراً بتمزيقه لها؛ ترى هل تذكر الألماني غونتر غراس، عندما رأى كتابه ممزقاً على غلاف مجلة "دير شبغيل" من قبل شيخ النقاد الألمان، هل تذكر في حينه كل تلك الكتب التي مُزقت وحُرقت في ألمانيا "النازية"، والذي لم يتكهن أن كتاباً له سينضم إلى قائمة الكتب الملعونة لأنه كُتب بطريقة سيئة فقط، تزدحم بالإنشاء!هناك كتب ساحرة، شيقة، لكنها منسية، بسبب خبث حفنة من نقاد "جارورات" وصحفيين، من مسؤولي تحرير صفحات ثقافية أميين ورؤوساء تحرير.ذات مرة سألت إحدى عاشقات الكتب ناشراً سويدياًً، يحب الكتب، مثالي، ما زال يطالب بالنوعية، فيما إذا كان ما يزال يحتفظ بنسخة من أحد الكتب التي نشرها؟ "كتاباً واحداً؟ أنني أحتفظ بالآلاف أيتها السيدة!".أنها تلك الكتب التي لا تتصدر قائمة الكتب الأكثر مبيعاً، هل يمكن تخيلها راقدة هناك في أقبية دور النشر! هذه الكتب، مثلها تلك الكتب التي تستقر على مدارج المكتبات، والتي تبدو حائرة، مندهشة، عندما ينظر لها أحد، ويمد يده باتجاهها ليحررها من السجن الذي تعيش فيه، يزيل عنها الغبار، ويمسدها بيد رقيقة.أنها هذه الطبقة من الكتب التي ترتجف فيها الصفحات عند ملامسة أصابع عاشق لها.في بعض المرات تهرب الكتب من وحدها، ويخطئ صاحبها عندما يظن أنه فقدها أو سُرقت منه. كلا، الأمر ليس كما يعتقد. أنه الكتاب ذاته الذي يذهب بحرية إلى جيب عاشق "مفلس" لا يستطيع شراء كتاب. من يتذكر سرقاتنا الفوضوية أو المنظمة للكتب، أليست تلك هي ربما ذنوبنا الوحيدة، إن كان يمكن تسمية ذلك بالذنوب؟ ألم تكن هناك بينها كتب تسقط مباشرة ما أن كنا نمر بها لكي تثير انتباهنا؟هناك كتب ساكنة، منكسرة، خجولة، تخجل من كلمات أُلحقت بها، كلمات لا تليق بها، والتي رغم حزنها تجعلنا فجأة نضحك كما لو كانت تثق بنا، تتكهن ما نفكر به، فتعرف أن الأوان لم يفت، فتبدأ بالهمهمة

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram