القسم الثاني
(الذي يُقال يُنسى ، أما الذي يُكتب فيبقى . منذ ان ولجنا عصرالكتابة باتت كل الأشياء تُكتب ، حتى القول السابق للكتابة أعدنا تدوينه كي لايضيع ، لكن ، كم من الجهد بذله الناس ليبقى هذا القول غير المكتوب حيّاً؟؟)
من كتاب (الكتابة بحبر أسود)
نادرة هي الكتب العربية التي تتناول موضوعة الكتابة والكاتب والكتب والقراءة ، كتاب حسن مدن ( الكتابة بحبر أسود ) من طراز هذه الكتب التي تصدت لمناقشة فعل الكتابة واحوال الكاتب والكتب وفعالية القراءة ،يقودنا الكتاب إلى بساتين ثرية بغلالها من ثمار الفنون والمعارف وظلال الشخصيات ومتون الروايات الشهيرة ،يلهمنا الكتاب ويحرضنا على التقصي والبحث فيما وراء الشذرات المنثورة في متنه ، يهبنا مفاتيح لأبواب الغرف الموصدة المنطوية على أسرار الكلمة و الكتابة والكتاب .
يطرح حسن مدن أسئلة كثيرة عن الكاتب في القسم الثاني من كتابه على شاكلة : من هو الكاتب ؟؟، كيف نحدد هوية كاتب مثل فرويد او نيتشة او حتى ماركس وهيغل ؟ هؤلاء الاربعة كانوا كتابا وحملوا توصيفات أخرى فهيغل كان استاذا للفلسفة ومن عباءته خرج تلاميذ كُثـُر ، فرويد كان محللا نفسيا عياديا ، اما ماركس فجمع بين البحث في الاقتصاد السياسي وبين الممارسة السياسية ،بينما كانت موهبة نيتشة تتمثل في الكتابة التأملية العميقة ، كل هؤلاء كانوا موهوبين ومنتجين للمعرفة ، ولكن مايجمع بينهم انهم كانوا كتاباً، فكانت الكتابة إحدى أدوات تعبيرهم عن المعرفة والتجربة والفكر ، ولكن من غير المنصف أن نقول عن نيتشة أنه كاتب حسب ، إنه رجل فلسفة وباحث في النفس الانسانية ولاتكفي مفردة كاتب لوصفه.
يتحدث كتاب (الكتابة بحبر اسود) عن طقوس الكاتب حين الكتابة والقراءة ، عن براءة الكاتب التي تعني أنه (لا يقيم أسوارا بينه وبين الحياة فتدخل الحياة الى أدبه مثلما تدخل الشمس ويدخل الهواء الى غرفة مشرعة النوافذ في صباح بارد، فيغرف الكاتب مادته من الحياة لكنه لايكتب هذه الحياة ، لايكررها ، لاينسخها ، إنه يقيم حياة أخرى خاصة به ، عالما آخر فيه شئ من روحه)
ثمة اسئلة تثير سلسلة تساؤلات ،لمن يكتب الكاتب ؟؟ومتى يتوقف عن الكتابة ؟؟ من هو الكاتب الحزين والكاتب الرصين ؟؟ ماذا يفعل الكاتب حين يساء فهمه ؟؟ نعثر على مقترحات غير نهائية لاجابات قد تتغير بمرور الوقت وتغير الامكنة و بوسعنا استيلاد إجابات تخص تجربتنا الشخصية، تخص علاقتنا بالكتب والكتابة، سندع عالم الكاتب وسعيه للشهرة وندخل عالم الكتب، وياله من عالم سحري مغوٍ ، فثمة في المكتبة عالم كنوز شتى ، فكم من الكتب بوسعنا أن نقرأ؟؟ هل ثمة كتب تحررنا ؟ وكتب تنتشلنا من وهدة النسيان ؟ هل هناك كتب لليل وأخرى للنهار ؟، كتب للنساء وكتب للرجال؟ ماهي تلك الكتب المنذورة للبقاء والأخرى المكرسة للفناء؟
في فصل (عن القراءة) يروي لنا قصة بورخيس الذي أصبح مديرا للمكتبة الوطنية عندما صار كفيف البصر تماما ولايسعه القراءة فقال عن هذه المفارقة (لاتذرفوا الدموع ،ولاتلوموا مشيئة الله الذي حباني بهذه السخرية العظيمة في آنٍ: الظلمة والكتب) وثمة حكاية موجعة أخرى من كتاب (تاريخ القراءة) لمانغويل ففي مسلسل تلفزيونى نرى قارئا نهما نجا وحده من كارثة نووية فتصبح جميع كتب العالم تحت تصرفه ،إلا أن نظارته تتحطم بالصدفة فلا يعود بوسعه قراءة شيء.
الكتابة بحبر مضيء
[post-views]
نشر في: 28 يناير, 2017: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...