شاكر لعيبيمن بين فضائل الخروج الجماعيّ للمثقفين العراقيين، جنب رذائله الكثيرة، اهتمامات الكثير منهم بالترجمة من اللغات التي يتساكنون معها في بيت واحد، حتى أن الشعر الاسكندينافيّ الحديث الذي وقعتْ ترجمته لماماً في اللغة العربية منحهم موضوعا خصبا للبحث فيه والاستلهام منه،
ودفعهم لترجمته في نهاية المطاف.من اللغة الدانماركية ترجم زهير ياسين شليبة "أنطولوجيا الشعر الدنماركي الحديث" 2005، ومنعم الفقير ومي شحادة "أنطولوجيا الشعر الدنماركي" – شمس 2009، وجمال جمعة "العهد العظيم" لبو غرين ينسن 2007 و"قرب المسافة" لينز فنك ينسن 1999 و"أساتذة اللاشيء" ليانوس كودال 2000 وكلها منشورة لدى دار ألواح المدريدية، ومؤخراً في بيروت ترجمته «39 قصيدة إلى المكتبة المحترقة» لنيلس لينجسو.ومن السويدية قدّم علي ناصر كنانة ترجمة ممتعة بل رائدة لتوماس ترانسترومر (ثلاث مجموعات ومختارات) تحت عنوان "ليلاً على سفر" - المؤسسة العربية 2003، وإبراهيم عبد الملك وجاسم محمد "إطلالة من حواف النهائي: أنتلوجيا الشعر السويدي" - المدى 2009، وهنري دياب وجليل حيدر "بورتريه الملائكة" - جلجامش مع المؤسسة العربية 1999، وباسم المرعبي "أصوات من الشعر السويدي" - مجلة ملامح5، 2009، ونجم خطاوي "قصائد من السويد" في أكثر من موقع. ومن اللغة النرويجية قدم وليد الكبيسي العديد من الترجمات منها لهوفارد ريم "بلاد المشنقة"- المدى 2000، وأخرى لكاميلا يول أيده في مجلة الاغتراب الأدبي، وثالثة بعنوان "أرلنك كتلسن في سياق الأدب النرويجي"، بينما طابَقَ مع النص النرويجي الأصليّ ترجمةً قام بها فاضل العزاوي لقصيدة إبسن "تيريه فـيغن". كما ترجم صالح البدري "من الشعر النرويجي: رولف ياكوبسن"، وكامل السعدون "لحظة من فضلك: نصوص مترجمة من الشعر النرويجي الحديث"، ومثله طارق الحربي الذي نقل ثلاث مجاميع شعرية عن اللغة النرويجية كما يقول ويعكف على ترجمة كتاب الشعر النرويجي في مئة عام. ثمة كذلك ترجمات من اللغة الفلندية والفلندية – السويدية: "من الشعر الفنلندي: الشاعرة أديث سودرجران" Edith Södergran من مجموعتها الشعرية " البلد الذي لا وجود له" بترجمة حميد كشكولي. ولم أطّلع على أعمالها الشعرية الكاملة المنقولة إلى العربية (ولا أعرف للأمانة من ترجمها).لا نتكلم هنا سوى عن الأدب الاسكندينافي، وليس جميع آداب العائلة اللغوية الجرمانية كمساهمات المترجمين العراقيين من الهولندية (مهدي النفري ومحسن السراج)، ومن الألمانية (العزاوي لكريستيان مورغنشتيرن وخالد المعالي لباول تسيلان وترجمات بدل رفو للشعر النمساويّ من بين آخرين).هذه الفعاليات العراقية المُتحمّسة في ترجمة الشعر الاسكندينافي توشك أن تقدم صورة شبه دقيقة عنه للقارئ العربي، على اختلاف مستوياتها، بل سنقول إن نقل الشعر الاسكندينافي إلى العربية يكاد يكون فعلاً عراقياً وإنْ حدث أحياناً بالتعاون مع بعض المترجمين العرب. إنه منقول عن لغاته الأصلية القريبة من بعضها اشتقاقياً، وهي لغات تعلّمها المترجمون العراقيين بسبب أحكام الضرورة ومتعة الثقافة. إن جودة الكثير من تلك الترجمات مُعتَرَف بها على ما يبدو، خاصة وأنها تمَّتْ على أيدي شعراء وقصاصين وأدباء، بينما كان الانحناء على اللغات الاسكندينافية غير المُتحدَّث بها عربياً وعالمياً على نطاق واسع، قد أبعد المترجمين، لحسن الحظ، عن عمليات التصويب السمجة، في الغالب، التي يقوم بها ثلة من الأدباء والصحفيين للترجمات المُنجَزة من الإنكليزية أو الفرنسية.نظنّ أن صوت الشعر الاسكندينافي الخافت، واقترابه من موضوعات غير معهودة كثيراً في الشعر العربيّ، كما أن دفقه الوجوديّ الخفيّ يمكن أن تساهم كلها في رفد الشعر العربيّ بروحٍ لم يعتد عليه، بل لعله ساهم فعلياً في تشكيل المزاج الداخليّ للمترجمين المشتغلين عليه، وهو ما نجد له الأمثلة هنا وهناك، وهو موضوع آخر.
تلويحة المدى: ترجمة الشعر الاسكندينافي بوصفها إبداعاً عراقياً
نشر في: 12 فبراير, 2010: 05:21 م