اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مدنيو اليوم معتزلة الأمس

مدنيو اليوم معتزلة الأمس

نشر في: 28 يناير, 2017: 09:01 م

في حدود إطلاعنا على بعض أدبيات الاحزاب الدينية، لم نجد توصيفا لمفردة (وطن). هي تسهب في ذكر مبادئ الدين ووصف المتدين، ولديهم طروحات فقهية في الائتلاف والاختلاف بين المذاهب، ومثل ذلك نقرأ آراء وأفكار كبار العلماء في العبادات والمعاملات، لكننا لا نقع على عبارات مثل صون حدود الدولة، أو أهمية الوطن للشعب، أو مفهوم البعد الوطني والمحيط العربي والدولة القومية أو بناء الدولة على أُسس المواطنة.. الخ من موجبات بناء دولة بالمفهوم الذي نعرفه في أدبيات السياسة في العالم.
  الدولة العربية (الاسلامية) وعلى مختلف أدوارها وأشكالها وأزمنتها منذ الهجرة حتى دول الربيع العربي قامت وتأسست على مبدأ تقديم النقل على العقل، وظل الدين اطارا عاماً، تمكن الخلفاء والولاة والسلاطين والملوك والرؤساء من إحكام قبضتهم عبر قناته، التي تمسكت بالدين على أنه قوام الدولة، وإن كان الحاكم أجائراً أو فاسداً كان، فهو خليفة الله في أرضه، وهو الحاكم بامره. وجوبهت كل محاولات اجدادنا المعتزلة وأصحاب العقل بالقوة والقتل وأتهم دعاتها بالكفر والمروق فنصبت لهم الاعواد ووضعت السيوف في اعناقهم، ونجد والى اليوم، أن معظم قادة وأعضاء الاحزاب الدينية هذه، يتعجلون إتهام  خصومهم بتلك التهم، في دعوة واضح المراد منها. اما الوطن فلا ذكر له.
   وهكذا، ظل الاحتكام الى العقل في إدارة البلاد أمراً مستبعداً، حتى اللحظة هذه، على الرغم مما أصاب شعوب المنطقة من التراجع والتخلف، فبتنا نقول نحن أمة لا تعي ولا تتعظ ، وقد اعتمدت الخرافة بكل معانيها. ولاحظنا كيف فعل أعضاء حكومة البصرة في تسلمهم لإدارة شؤون المدينة، بعد أوّل دخول لهم لمبنى الحكومة،عقب سقوط النظام السابق. فهم، وبدلاً من أن يجلسوا ويخططوا لإدارة المدينة نجدهم يتوجهون للقبلة، وقد تقدمهم أحد الملالي، ليقرأوا لنا احد الأدعية، التي ملَّ الشعبُ من الدُّعاء بها  طمعا في إسقاط النظام، الذي لم يسقط إلا بإرادة امريكية. وكلنا يعرف، حق المعرفة، أنَّ الشعب دعا على صدام حسين أربعين سنة، لكنَّ السماء كانت صمّاء، صامتة، ولم تحرك ساكناً.
  اليوم، وبعد كل الخلافات والتباغض والاحتراب والكراهية والاتهام المتبادل والتراجع والفشل بين الاحزاب الدينية الحاكمة ما زالت اليافطة ( وأمرهم شورى بينهم ) معلقة على حائط  مجلس النواب، وعلى حيطان مجالس المحافظات كلها، على الرغم من أنها لم تعد تمثل لهم أي شيء، فهي فارغة من مضمونها العام، وهم يقرون بذلك، لكن متوالية الضحك على الشعب المسكين قوامها اليافطة هذه، والشعب مدموغ على رأسه، يخشى أن يصيبه مكروه وتسوء احواله اكثر مما هي عليه الآن، إن تحدث عن حقيقة مثل: ما جدوى اليافطة هذه؟ إن كانت مجرد ملصق سياسي، لا أكثر. وهو(الشعب) واثق كل الثقة بأن اليافطات هذه لا تحلُّ مشاكل البلاد، ويعرف أنه مضحوك عليه بهذه وتلك، مثلما يعرف أنَّ خلاصه لا يتم بالدعاء، ولن يتم استرجاع الارواح التي ازهقت والمال الذي نهب والمدن المخربة بمثل هذه الخزعبلات. لكنه صامت!!
  كان أجدادنا المعتزلة، الذين كانت البصرة محطتهم الاولى، يمثلون بحق صوت المدنية اليوم، فهم أول من رجّح العقل على النقل، وشككوا بالنصوص المنقولة في المدونات والكتب، وطالبوا بان يرجع الحكام في إدارة شؤون البلاد والعباد الى العقل والرأي والتجربة، وأن لا تظل العنعنات وسيلة وغاية عند الحكام للتحكم في مقادير البلاد وناسها. لكن سيف السلطة كان أقوى، فعمل في رقاب هؤلاء العظماء، مثلما تفعل السلطات الدينية اليوم برقاب القوى المدنية، التي تطالب بالحرية والعدل وبناء دولة المؤسسات، التي تقوم على الإقناع لا على الإكراه وفرض الرأي والقبول به، تحت شعار : هكذا نحكم، شاء مَن شاء وابى مَن أبى.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. مهند محمد البياتي

    لم يكن للمعتزله شركاء في الحضارات الاخرى يتواصلون معهم و يستمدون القوه من بعضهم البعض، و لخطأ المأمون في في التضييق على المخالفين من اهل النقل بشده في ذلك الزمن، استطاع المتوكل بالتنكيل باهل العقل قبل ان يشتد عودهم، لكن الكثيرون في العالم اليوم يؤمنون با

يحدث الآن

نادٍ كويتي يتعرض لاحتيال كروي في مصر

العثور على 3 جثث لإرهابيين بموقع الضربة الجوية في جبال حمرين

اعتقال أب عنّف ابنته حتى الموت في بغداد

زلزال بقوة 7.4 درجة يضرب تشيلي

حارس إسبانيا يغيب لنهاية 2024

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram