TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > صناع التاريخ

صناع التاريخ

نشر في: 12 فبراير, 2010: 05:29 م

فريدة النقاشتوفي قبل أيام المؤرخ الأمريكي والأستاذ الجامعي (هواردزين) الذي كان قد ألف قبل سنوات كتابه الموسوعي (التاريخ الشعبي للولايات المتحدة الأمريكية) وقام بنقله إلي العربية أستاذ جامعي وباحث شاب هو (شعبان مكاوي) الذي رحل عن عالمنا في بدء شبابه بسبب البلهارسيا القديمة وأمراض الكبد الناتجة عنها، ونشر الكتاب المركز القومي للترجمة في جزءين.
وفي مناقشة مطولة لي مع (شعبان مكاوي) قبل رحيله بشهور قال إنه يحلم بتكوين فريق بحثي مصري يتعاون ويعمل بشكل جماعي لكتابة التاريخ الشعبي لمصر، لأن الغالبية العظمى من الكتابات التاريخية ظلت حتي الآن تدور في إطار الصناع المعروفين للسياسة والقوانين والدساتير من أصحاب المناصب والثروات وحتي الأفكار وما بينه (هواردزين) في كتابه الموسوعي هو أن التغيرات الكبرى في مجرى التاريخ والتي جرت متأثرة بأفكار المصلحين والثوريين العظام كانت في كل الحالات حصيلة كفاح منظم أو حتى عشوائي قام به المنتجون من الطبقات الشعبية دفاعا عن حقهم في حياة كريمة وفي نصيب عادل من الثروة والسلطة.واستطاعت هذه المدرسة الجديدة في كتابة التاريخ بشكل علمي وموضوعي أن تشكل لنفسها مواقع مهمة في عدد كبير من جامعات العالم معتبرة أن التاريخ هو مسار خلق الإنسان لنفسه.وتعود أصول هذه المدرسة التي ترى أن الجماهير هي صانعة التاريخ في أصولها الأولى إلى (كارل ماركس) الذي يجري إحياء تراثه علي نطاق عالمي الآن بعد أن ظن أعداؤه أنه اندثر إلي الأبد إثر سقوط الدولة الاشتراكية الأولى في التاريخ بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ومنظومة البلدان الاشتراكية.فتح ماركس إذن قارة التاريخ علي مصراعيها وهو ما شكل على حد قول الفيلسوف الفرنسي (ألتوسير) حدثا كبيرا نظريا وسياسيا لا مثيل له في التاريخ الإنساني، وقد أخذ منهج ماركس العلمي في دراسة التاريخ وتحليله يتطور بانتظام في ارتباط وثيق مع حركة المجتمع والمعرفة والأحداث المتلاحقة التي يبدو أنه لا رابط بينها، ولكن حين تخضع للتحليل العلمي يتكشف منطقها الداخلي وحقيقة ارتباطها جنبا إلي جنب صور تبلور وتطور التشكيلات الاجتماعية وهو أحد المفاهيم الأساسية في تلك المدرسة التي ماتزال جديدة في كتابة وتحليل التاريخ الإنساني رغم أن أصولها الأولى انحدرت إلينا من القرن التاسع عشر.ويعود السبب في وصفها بالجدة رغم العراقة إلي حقيقة أنها لا تكف عن التوصل إلي مفاهيم جديدة مستمدة من التطور العالمي إضافة إلي ما كانت قد أنشأته في طبعتها الأولى من علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج وأنماط الإنتاج وصراع الطبقات والبنى الفوقية والبني التحتية وارتباط ذلك كله بسلسلة طويلة من الموضوعات الكبيرة التي أسهمت المدرسة الجديدة إسهامات بارزة ولا غنى عنها للعلم الإنساني مثل علم الاقتصاد وعلم السياسة وعلم اللغة والأنثروبولوجيا والآثار.. والحضارة إلخ والتي اعتبرتها جميعا روافد أساسية في بناء التاريخ الكلي، وهي ترى أنه بالرغم من الحقول المميزة والمستقلة لكل علم من هذه العلوم بل والخاصية المميزة لكل وضعية تاريخية محددة باعتبارها وضعية فريدة ووحيدة من نوعها، فإنها جميعها تسهم كل على طريقتها في بناء التاريخ الكلي حيث يوجد علم التاريخ الديالكتيكي لحركة المجتمع ككل.فهل يا ترى سوف يكون بوسعنا أن نشكل فريقا من الباحثين لينتج لنا في سنوات قادمة سفرا كاملا عن التاريخ الشعبي لمصر يتأسس على هذا المنهج العلمي الكلي والشامل، ويستفيد من عشرات الدراسات المتفرقة التي استخدمت هذا المنهج نفسه وذلك كما حلم الباحث والأستاذ النبيل (شعبان مكاوي) وكما فعل المؤرخ العظيم (هواردزين) وعشرات آخرون من الباحثين والأساتذة التي حرصت أدوات الإعلام الرأسمالية الجبارة علي التعتيم علي إنتاجهم وتهميشه بل والسخرية منه ذلك التاريخ بهذه الصورة الجديدة هو أداة كفاح للجماهير المنتجة، لا فحسب لتحليل الواقع وفهمه بصفاء وبصيرة وإنما للعمل أيضا من أجل تغييره ليصبح البشر أسياد أنفسهم حين يتحررون جميعا من الاستغلال والقهر والخوف والحاجة وهم ينظرون بثقة إلى قدراتهم الكامنة التي أثبت التاريخ على هذا النحو الجديد مدى فعاليتها في تغيير الواقع البائس وإعادة بنائه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram