شاكر النابلسييبدو أن عوائق تحقيق الوحدة العربية لا يعود إلى جهل الديكتاتورية العربية بأنواعها الثلاثة: العائليـة، والعسكرية، والحزبية. ففي نهايات القرن العشرين، أصبح العسكر هم الذين يحكمون المشرق من إندونيسيا إلي المغرب الأقصى. وإن انحسار الانقلابات العسكرية التي بلغت نسبتها في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، بمعدل أربعة انقلابات في السنة،
لا يعني أن دور العسكر قد اضمحل في الحياة السياسية، بل يُفسَّر على أن العسكر أصبحوا السند الحقيقي لأغلب أنظمة الحكم في منطقتنا، وأصبحت تبعية المؤسسة العسكرية ليست للدولة، وإنما للنخبة السياسية الحاكمة. (أنظر: خلدون النقيب، "العسكر لم يختفوا وإنما خبا ظلهم"، جريدة "القبس"، الكويت، 20/10/1999).هل شفاؤنا في حروبنا؟! فعدم تحقيق الوحدة مثلاً، لا يعود فقط إلى سوء إدارة الوحدة التي سبق وقامت بين بعض أقطار الدول العربية.ولا يعود فقط إلى سلق تجارب الوحدة سلقاً وبسرعة، وكأنها مواعيد غرام عاجلة (على الحامي). ولا يعود فقط إلى عدم وجود قيادات سياسية وفكرية واقتصادية وعلمية واجتماعية لقيادة مثل هذه التجربة والعملية المعقدة والحضارية جداً.ولا يعود فقط إلى ضعف الإيمان بقدرة الوحدة العسكرية وقدرة الوحدة الاقتصادية. ولكن الماضي والتجارب السابقة علمتنا أن نداء الوحدة العربية لا يبلغ حناجرنا إلا عند شعورنا بالخوف والاجتياح. rnمشاريع السراب والرمادفلم تتم بعض تطبيقات الوحدة السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية العربية، إلا عندما تقوم الحروب العربيـة - الإسرائيلية الخاطفة، ثم لا يلبث أن ينفضَّ السامر من جديد.فوحدة سوريا ومصر 1958 قامت بعد عدوان 1956 وحرب السويس. وميثاق الوحدة العسكرية بين سوريا والعراق 1963، اتفاق الدفاع المشترك بين سوريا ومصر 1966، واتفاقية الدفاع المشترك بين مصر والأردن 1967، اتحاد الجمهوريات العربية 1969، الوحدة الشاملة بين مصر وليبيا 1973، الوحدة السورية الليبية 1980، ، و"مجلس التعاون العربي" بين العراق ومصر واليمن والأردن 1989، و"اتحاد دول المغرب العربي" 1989. وكل هذه المشاريع الوحدوية الفاشلة التي كانت سراباً ورماداً قامت بعد هزيمة 1967، وبعد الحرب العربية - الإسرائيلية 1973، وبعد الحرب العراقية- الإيرانية (1980-1988) .rnالاستعمار: مشجب ملابسنا القذرة!ظللنا نردد كالببغاوات منذ النصف الثاني من القرن العشرين حتى الآن، إن الاستعمار هـو السبب الرئيسي لكل مصائبنا، ومشاكلنا، وتخلفنا، وجهلنا. ونتخيل أنه لولاه، لكنا خير أمة أخرجت للناس. هو المسؤول عن عدم قيام وحدة عربية. وهو العائق والمُعيق لها، نتيجة لسيطرتنا على أكبر مخزون للنفط في العالم. وأن – حسب معن بشّور - "قيام الوحدة المصرية – السورية في العام 1958 ، كان نتيجة حتمية لسقوط الاستعمار القديم بقيادة بريطانيا وفرنسا، تماما مثلما كان سقوط تلك الوحدة هو إيذان بصعود الاستعمار الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة." ("معوقات الوحدة العربية"، ص 11). ولا نعرف هنا مدى علاقة الاستعمار بضعف الإمكانات الإدارية والسياسية للقيادة المصرية البيروقراطية التقليدية في إدارة سوريا، والتي عاملت سوريا على أنها محافظة مصرية، وعيَّنت عليها المحافظ "عبد الحكيم عامر" الذي كان إداريا وسياسياً فاشلاً في مصر، كما كان عسكرياً فاشلاً في امتحان 1967 . كما عيَّنت العسكري المصري الآخر والسفير المصري السابق في دمشق محمود رياض، مستشاراً لعبد الناصر لشؤون سوريا.rnدحض حجة الاستعمارفي حين ينفي بعض المفكرين العرب كالسوري محيي الدين صبحي من أن الاستعمار كان وراء خراب بيت العرب. "فالاستعمار لا يمنع الحاكم العربي من أن يكون رحيماً وحليماً، واسع الصدر مع بعض المعارضين، إن لم نقل كلهم. ولا يمنع الاستعمار المسؤول العربي، من أن يقاوم الفساد والرشوة والتعسف بدلاً من أن يصير شريكاً فيها." ("تأملات في سفر تكوين الكيانات والمسألة الوحدوية"، ص71). ويؤكد المفكر والتربوي العراقي حافظ الجمالي من أن "التجزئة ليست من فعل الاستعمار كما يُظن، ولو أن الاستعمار رسخها بشكل أو بآخر. فالتجزئة قديمة واهية لأنها فُرضت بإرادة الحاكم." ("الوحدة العربية.. وقائع وآفاق"، ص 116).rnعودة الوعي مع الزمن الجديدفالاستعمار لم يعد المشجب، الذي نُعلِّق عليه كل أخطائنا وأخطاء الوحدة وأسباب فشلنـا. ويبدو أننا في نهاية التسعينات من القرن الماضي، وعلى أبواب القرن الحادي والعشرين والألفية الثالثة، وبداية عصر الثورة التكنولوجية وثورة المعلومات، بدأنا نفكر تفكيراً عقلانياً واقعياً،ً بعيداً عن التشنج العاطفي، ونقول، بأن "اليوم وبعد انقضاء هذه الحقبة التاريخية على انفصال وحدة سوريا ومصر، وعلى امتداد أربعة عقود من الزمن من عمر الكفاح التحرري الوحدوي لجماهير الأمة العربية، ندرك جيداً وبوعينا الراهن أن العوامل الداخلية كانت فعلاً السبب الأساسي وراء انهيار دولة الوحدة." (حبيب حداد، "الوحدة العربية إلى أين؟"، ص87).rnالبحث عن الأسبابهل ك
العسكر والديكتاتورية يتقاسمان العرب شرقاً وغرباً
نشر في: 12 فبراير, 2010: 05:35 م