TOP

جريدة المدى > تحقيقات > موصليون : "ستاركس" الحسبة تشبه "إيفا" الانضباط العسكري أيام النظام السابق

موصليون : "ستاركس" الحسبة تشبه "إيفا" الانضباط العسكري أيام النظام السابق

نشر في: 30 يناير, 2017: 09:01 م

 100 جلدة للمدخِّن وإغماض أعين النساء يسقطهن في الشوارع
يتذكر غسان ذنون الأيام الستة والثمانين التي قضاها في سجون الحسبة التابعة لتنظيم داعش الإرهابي في مدينة الموصل، بتهمة بيع السكائر. فالحسبة الأمنية تُشابِه في تصرفاتها شرطة الفكر في رواية (1984)

 100 جلدة للمدخِّن وإغماض أعين النساء يسقطهن في الشوارع

يتذكر غسان ذنون الأيام الستة والثمانين التي قضاها في سجون الحسبة التابعة لتنظيم داعش الإرهابي في مدينة الموصل، بتهمة بيع السكائر. فالحسبة الأمنية تُشابِه في تصرفاتها شرطة الفكر في رواية (1984) لجورج اوريل، فلا يعلم أهالي الموصل متى تخترق حياتهم الخاصة وتحاسبهم على ما يفكرون وفكروا وما سيفكرون به، إذ تملك الحسبة صلاحية الدخول عليك متى ما أرادت ذلك وبحكم مزاجها. غسان الذي اعتقل من قبل عناصر الحسبة بعد كمين نصبوه له، وهو في الطريق لجلب سكائر للموصل بالسر وبيعها للناس، بيّن ان معاملتهم كانت قاسية جداً من تعذيب وضرب وإهانة، إلى أن عرف أن هدفهم ليس معاقبته للتجارة بالسكائر التي منعوها، بل لإرغامه على دفع اموال لهم لغرض تمويل أفعالهم الإجرامية.

رصد تحركات الناس
بعد أن احتل تنظيم داعش الموصل بأشهر بدأ بإنشاء مؤسساته لمسك زمام الأمور في المدينة، ومنها جهاز أمني شرطوي اداري اسماه "ديوان الحسبة"، مهمته اصدار التعليمات التي تحدد ملامح حركة الناس وطريقة حياتهم، وكذلك متابعة مدى التزامهم بتطبيق هذه التعليمات وبنفس الوقت اعتقالهم ومعاقبتهم إذا لم ينفذوا ذلك، الباحث والاكاديمي غسان الحمداني يقول لـ(المدى) ان عناصر الحسبة ترصد جميع الناس بلا انقطاع من خلال عناصرها المنتشرين كزبانية جهنم بوجوههم الكالحة واخلاقهم الفجة وسمعتهم السيئة (حسب وصفه) وأزيائهم المعروفين بها. مسترسلاً: عندما يلمحهم اهالي الموصل يحاولون تغيير مسارهم تحاشياً لهم خشية ان تُلفق لهم التهمة، مثلما يتخوف الكثير منهم من الجواسيس والمخبرين والمتملقين.

أوقات الصلاة
وتقصير الملابس
وبين الحمداني: ان وظيفتهم الأساسية التلصص على الناس والبحث عن اي مظهر من مظاهر الانحراف عن تعليمات التنظيم، فكان على اهالي المدينة العيش بحكم العادة التي تحولت الى غريزة لأن كل صوت صادر عنهم مسموع وكل حركة مرصودة. مبينا: ان داعش صادر كل شيء يعبر عن الحياة في الموصل، فمثلما صادروا حرية التعبير والصحافة وحرية الفكر وحرية عقد الاجتماعات والتجمعات، صادروا حتى حرية المظهر والأزياء. ان وظيفتهم محاسبة المارة من النساء والرجال ضمن قوانين تعسفية دفعتهم لعدم الخروج من منازلهم مخافة الاستهداف والمعاقبة التي تتنوع بين الجلد والحبس والغرامة المالية. مضيفاً: ان بعض العناصر يحاسبون النساء اللواتي لا يرتدين النقاب كما يلاحقون باعة السگائر أو المدخنين، ومنها ايضا اعتقال او محاسبة من لا يتوجه للمساجد في اوقات الصلاة، والذي بيده مسبحه أو من لم يقصر بنطاله وملابسه. لافتاً الى: ان مفاهيم وعقائد التنظيم وخصوصاً ديوان الحسبة تتمثل بعدة أمور، منها سحب هوية الأحوال المدنية، وقد تتعدى الى التوبيخ الشديد او اغلاق المحال لأسباب غير منطقية ودفع إتاوات  تبدأ من 50 الف دينار وإلى ما لانهاية.

الساعة تتسبب بغرامة "العريس"
معاناة المواطنين لم تتوقف عند هذا الحد، فالرعب الذي يثيره عناصر "الحسبة" بين المواطنين داخل المدينة، دفع العديد منهم الى اعتزال التجول إلا للضرورات القصوى وحاول الكثير منهم التخلص من هذا الحكم ومغادرة المدينة، غير أن عناصر التنظيم أغلقوا مكاتب النقل في المدينة ومنعوا العائلات من الخروج. عن ذلك يقول المواطن الموصلي عثمان عبدالله : قررت الزواج من احدى أقاربي وتوجهت الى رجل دين غير مرتبط بتنظيم داعش كي يعقد لي القران لأني لم أكن ارغب بعقد القران لدى محاكم التنظيم، كون التنظيم حصر هذا الأمر بمحاكمِه. مضيفاً: عند مرور موكب الزفاف وكان بسيطاً لاحقتنا سيارة الحسبة وأوقفونا وطالبوا بعقد الزواج، فلما أخبرناهم بأننا عقدنا لدى رجل دين وليس بمحكمة التنظيم، جنّ جنونهم وطالبونا  باسم هذا الرجل لاعتقاله. مستطردا: بعد رد وأخذ معهم أمرونا بإبطال الزفاف وان تعود العروس لبيت اهلها، وإلا سوف يعتبروننا زناة ويقيمون علينا حد الرجم، وكتبوا علينا تعهداً بالتوجه للمحكمة.
واضاف عبدالله: توجهنا للمحكمة وعقدنا القران حسب قوانينهم وبهدف الحصول على وثيقة تحمينا من شرورهم. مردفا: وبعد تجديد موعد الزفاف ايضا لاحقتنا سيارة الحسبة وطالبت بنسخة العقد وتم ابرازه لهم، فقال أحدهم: (انزع الرباط لأن هذا زي مخالف وحوّل الساعة من اليد اليسرى الى اليمنى)، ثم قام بتغريمي 50 الف دينار لارتكابي هاتين المخالفتين.

من 10 جلدات إلى 100 والسبب ؟؟
الناشط المدني جمال مصطفى ذكر لـ(المدى) :عندما يتولى الجاهلون والساقطون حمل الناس على الشرع كما يزعمون، تحصل الفضائع، كذلك الحال مع عناصر الحسبة في الموصل. موضحا: انه عند دخول المرأة الى مكان عام كسوق او مستشفى او غيرها ينظر اليها عنصر الحسبة بتمعن محاولاً اكتشاف أية مخالفة بدعوى تطبيق شرع الله، مثلا عدم ارتداء جوارب أو قفازات أو غطاء للوجه ... إلخ". متابعا:  يأمر عناصر الحسبة النساء بتغطية اعينهن حتى في الظلام حيث يتسبب ذلك الفعل بسقوط العديد منهن في الشارع العام.
واضاف مصطفى: تعد الحسبة احدى اذرع قوتهم بالمدينة وكذلك احد مصادر التمويل، فمثلا عند دخول وقت الصلاة فإن لم تذهب للصلاة لأي عذر ولو مشروع فإن عنصر الحسبة أو ما يسمى بـ "المحتسب" يعتقل المخالف ويضعه في سيارة الحسبة وفي الغالب سيارة نوع هيونداي ستاركس، وبدون تفاهم والا يضرب الممتنع. مستطرداً: انه يتم عرضه على القاضي، الذي لا ينظر الى الشخص بتاتاً إلا من طرف عينيه وبتكبر، وبعدها يأمر بالجلد والغرامة وحسب مزاجه وتبدأ العقوبات من 10 جلدات إلى 100 أو اكثر.

أغلب عناصر
الحسبة من العرب
وبيّن الناشط المدني: هذا بالنسبة للعقوبات الخفيفة، وهناك العقوبات الثقيلة التي تصل الى قطع اليد بداعي السرقة أو القتل بطرق يتفنن التنظيم فيها مثل قطع الرأس بالسيف أو الذبح بالسكين أو الالقاء من سطح بناية شاهقة. مبينا:  أن عناصر الحسبة يمارسون اقسى انواع التعذيب في سبيل اجبار المعتقل من اهالي الموصل على الاعتراف امام القاضي، مؤكداً ان غالبية عناصر الحسبة هم من المحليين، أما القضاة ففيهم محليون أو من جنسيات عربية اغلبها سوري اوسعودي اوتونسي اومصري.
 ما هو ممنوع على الناس بحسب تعليمات الحسبة، فإنهم يفعلونه بالسر. يقول المواطن أنس صالح لـ(المدى):  في احد الايام عندما كنت اقود عجلتي استوقفني أحد عناصر الحسبة عند مفرزة تابعة لهم ، ادخل رأسه من نافذة السيارة وقال اعطني سيگارة، وكنت قد رميت سيگارة ادخنها قبل وصولي للمفزرة. مضيفا: قلت له لا أدخن، فكرر عليّ الطلب وقال اعطني سيگارة فرائحة الدخان مازالت في السيارة. متابعا: وعندما اصررت على موقفي بعدم التدخين وبعد إلحاحه عليّ قال اعطني سيگارة لم ادخن منذ الصباح، فأعطيته واحدة كنت اخبئها تحت مقعد السيارة وقال امضِ ولا تخبر أحداً بالموضوع.

شذوذ جنسي وجرائم اغتصاب
قبل ايام عثرت القوات الأمنية بعد تحرير احدى المناطق في الموصل على وثائق في عدد من مقرات داعش، وفيها عقوبات بحق عناصر التنظيم، وغالبها تخص الشذوذ الجنسي "فيما بينهم"، أو مع الاطفال الذين يبايعون التنظيم، أو فيما بين عنصار الحسبة من الرجال مع عناصر الحسبة من النساء. يقول المواطن ياسر جاسم لـ(المدى): يقوم عناصر الحسبة بمصادرة صناديق السگائر من أحد التجار بعد تغريمه ثم يصورونها، ويحرقون بعض العلب ثم يبيعونها لتاجر آخر ويضعون الأموال في جيوبهم وهكذا. مضيفا: عند التعذيب فإن من يقول الله ، يتم تشديد التعذيب بحقه ويقولون الله لنا فقط وليس لكم.

أفلام إباحية وسرقة المصوغات الذهبية
يذكر المواطن الموصلي غسان ذنون لـ(المدى) انه تمت مصادرة (350) صندوق سگائر ادخلتها للموصل بواسطة شاحنتين، حيث خبأت الصناديق تحت صناديق للمواد الغذائية، وتم اعتقالي بعد مصادرة السگائر، وقد تعرضت لأبشع انواع التعذيب في الأيام الاولى حتى اخبرني احد المحتجزين بأنه إن كانت لديك امكانية مادية ادفع لهم وسوف لا يعذبونك. مضيفاً: تكلمت مع احد عناصر الحسبة عن قيامي بالتبرع للديوان ففرح، وقمت باستدعاء احد افراد عائلتي واخبرته بأن يسلم مبلغاً من المال لهم، لتخفيف التعذيب، وبالفعل تم ايقاف التعذيب، وبعد (86) يوماً من الاعتقال ومصادرة شحنة السگائر تم تغريمي (50) الف دولار مقابل الإفراج عني. متابعا: بعد أن وثق بي عناصر الحسبة بدأوا يطلعوني على أسرارهم، أحدهم طلب مني إذا امكن أن ازوده بأفلام إباحية، وآخر قال نحن نداهم منازل العوائل بهدف أخذ ما يحلو لنا من أجهزة هاتف أو أجهزة كهربائية وحتى المصوغات الذهبية والأموال.

تبديل إيفا الانضابط بستاريكس الحسبة
 عدد من  اهالي الموصل يشبّهون ممارسات داعش بممارسات اجهزة النظام السابق، اذ يقول المواطن يونس علي ،في العقد الخامس مع عمره،: في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي عندما كنا شباباً ، كان هاجسنا وخوفنا عند نزولنا للسوق ومركز المدينة والمناطق العامة هو قفص الانضباط العسكري، ولمن لا يعلم من الأجيال التي لحقتنا ، فهو عبارة عن سيارة نوع ايفا عسكرية تحمل قفصا على شكل مكعب حديد مغلق بالكامل ما عدا فتحة صغيرة عند بابه، تابعة لآمرية الانضابط العسكري. مضيفا: بين فترة واخرى ينزل عناصر الانضباط للشارع ومعهم سيارة القفص ولا ينسحبون إلا وقد امتلأت بالشباب من المتخلفين عن الخدمة العسكرية او الهاربين من الوحدات العسكرية، او الذين لا يحملون هوية تعريفية او من يشكّون بأمره. مردفا: ومن يدخل القفص فإن مصيره سيئ جدا، إذ يساق الى سجن الانضباط وهناك التعذيب والإهانة والتجويع والأمراض، قبل ان يرحل الى احدى الوحدات العسكرية او التجنيد او مركز الشرطة.
 يستطرد يونس: انتهى عصر قفص الانضباط في نيسان 2003، لكن بعد حزيران 2014 جاءت سيارات الحسبة التابعة لداعش، والتي مارست نفس الأسلوب في عدم الانسحاب الا بعد امتلائها بشباب ورجال الموصل، واقتيادهم الى مراكز الاحتجاز التي لم تختلف ظروفها عن سجون الانضباط. مردفا: دخل تنظيم داعش الى الموصل، وادعى كذباً، بأنهُ جاء بالحرية والعدالة للسكان، لكنه استبدل قفص الانضباط، بستاريكس الحسبة.

سوء الأخلاق والفظاظة وسلاطة اللسان
ويقول المواطن الموصلي: ديوان الحسبة مهمته متابعة تطبيق الأهالي لتعليمات التنظيم وأبرزها إطالة اللحى، وتقصير البناطيل والدشاديش وتقليم الأظافر وعدم بيع السگائر او المعسّل وتدخينها وغلق صالة الالعاب والتسلية. مستدركا: وبالنسبة للنساء ارتداء الخمار الأسود من قمة الرأس حتى الكعبين، وقائمة الممنوعات لدى داعش في الموصل طويلة لا يتسع المجال لسردها. متابعا: يمتاز عناصر الحسبة بالقسوة في التعامل وغلظة القلب وسوء الاخلاق والفظاظة وسلاطة اللسان، لا يرحمون كبيراً ولا صغيراً، ويتابعون الاهالي على اية زلّة او مخالفة، ويحاسبون وبصرامة. مردفا: اما تاريخهم فغالبهم مشهود لهم بسوء الاخلاق وعدم التزامهم الديني ولم يدخلوا مسجداً او يصلون قبل دخول داعش للموصل، لا يحفظون صفحتين من القرآن ولا يعلمون من الدين إلا شعارات تنظيمهم البائد.

 دخِّن دون خوف
لكن حاذر من مضارّه
وختم المواطن يونس علي حديثه لـ(المدى): الفرق بين الحسبة والانضباط هو إن الاخير كانت له مواسم او ايام محددة للنزول للشارع وفي الاسواق والمناطق العامة فقط. مستدركا: لكن الحسبة يكون تواجدهم واعتقالاتهم على مدار الساعة ويوميا حتى في المناطق السياحية والترفيهية، بين الأفرع وداخل الأحياء السكنية ويمدون اعينهم الى داخل المنازل، يهينون الرجال والنساء على حد سواء. مؤكدا: لا شيبة كبير يحترمونها ولا براءة طفل تمنعهم من اعتقاله وجلده وربما قطع رأسه، لا فقير يبحث عن رزقه فنسي الالتزام بإحدى التعليمات، ولا مريض لديه عذر شرعي يمنعه من تطبيق احدها الجميع معرض للعقوبة والإهانة والتنكيل.
 نهاية جولتنا كانت عند غسان ذنون المعتقل لـ(86) يوماً والذي صادر له تنظيم داعش شاحنتين من السكائر وفرض عليه غرامة (50) الف دولار فبعد أن نفث دخان سيگارته من انفه مبتسماً، قال: تحررت الموصل وعدنا نبيع السگائر، ونعمل في الحلال وفي العلن افضل من قتل الناس والاستيلاء على اموالهم. وهو يهم بتسليم عدة علب من السكائر لمشترٍ مازحه: دخّن دون ان تخاف من الحسبة لكن حذارِ فالتدخين مضر بالصحة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

امريكا تستعد لاخلاء نحو 153 ألف شخص في لوس أنجلوس جراء الحرائق

التعادل ينهي "ديربي" القوة الجوية والطلبة

القضاء ينقذ البرلمان من "الحرج": تمديد مجلس المفوضين يجنّب العراق الدخول بأزمة سياسية

الفيفا يعاقب اتحاد الكرة التونسي

الغارديان تسلط الضوء على المقابر الجماعية: مليون رفات في العراق

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حملة حصر السلاح في العراق: هل تكفي المبادرات الحكومية لفرض سيادة الدولة؟
تحقيقات

حملة حصر السلاح في العراق: هل تكفي المبادرات الحكومية لفرض سيادة الدولة؟

 المدى/تبارك المجيد كانت الساعة تقترب من السابعة مساءً، والظلام قد بدأ يغطي المكان، تجمعنا نحن المتظاهرين عند الجامع المقابل لمدينة الجملة العصبية، وكانت الأجواء مشحونة بالتوتر، فجأة، بدأت أصوات الرصاص تعلو في الأفق،...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram