عندما كان بول أوستر في الرابعة عشرة من عمره، ضربت صاعقة صبياً كان يبعد عنه بضعة سنتمترات وقتلته. ويقول عن ذلك الحادث" لم استطع نسيان ذلك الحادث ابداً". وقع الحادث في مخيم صيفي، ويضيف "عندما كنا في المخيم ، اشتعلت النيران في الغابة ب
عندما كان بول أوستر في الرابعة عشرة من عمره، ضربت صاعقة صبياً كان يبعد عنه بضعة سنتمترات وقتلته. ويقول عن ذلك الحادث" لم استطع نسيان ذلك الحادث ابداً". وقع الحادث في مخيم صيفي، ويضيف "عندما كنا في المخيم ، اشتعلت النيران في الغابة بسبب الصاعقة وكان هناك نحو 20 صبياً. قال أحدهم علينا أن نصل الى مخرج الغابة، وللوصول إلى هناك كان علينا أن نزحف، في طابور واحد، تحت سياج من الأسلاك الشائكة. وعندما كان الصبي الذي أمامي على الفور يسير ، ضرب البرق السياج. كنت قريبا جدا منه . وكاد رأسي يلامس قدميه ".
لم يُدرك أوستر ان الصبي مات على الفور. "قمت بسحبه نحو مخرج الغابة. ولمدة ساعة، كان المطر الشديد يسقط علينا بغزارة، والصواعق تهجم علينا من كل جانب ". قُتل اثنان أو ثلاثة من الصبية الآخرين في مكان قريب. "كان الامر كأنه مشهدا حربيا. شيئا فشيئا، بدأ وجه الصبي يتحوّل الى اللون الأزرق. كانت عيناه نصف مفتوحة، ونصف مغلقة، وبدأ يزداد شحوباً. "استغرق الأمر بعض الوقت من أوستر ليستوعب كل ما حدث ، ولو تأخر حدوث الصاعقة فقط بضع ثوان لإصابته الصاعقة وقتلته، "وبقيت على الدوام مأخوذاً بما حدث، وبالعشوائية المطلقة التي حدث خلالها"،. "أعتقد أنه كان أهم يوم في حياتي."
يقع حادث مماثل في رواية أوستر الجديدة (1234) فبطل القصة ويدعى ارشي فيرغسون، صبي طموح يبلغ من العمر 13 عاما ، كان مفتونا برواية الحارس في حقل الشوفان ،وحين كان يركض تحت الاشجار وقت هبوب عاصفة في المخيم الصيفي. ويبدأ البرق في السماء ، يقتل من جراء سقوط غصن شجرة: "وعندما كان جسده ممدداً على الأرض بلا حراك وغارقاً في المياه ... فان الرعد واصل هجومه، ، وكانت الآلهة صامتة".كما تحدثنا الرواية
ولكن هذا كان مصير واحد فقط من أربعة اشخاص يدعون ارشي فيرغسون في الرواية. رواية بول أوستر تستكشف دائما اللحظات التي يعيش فيها المرء بفضل الفرصة والظروف، وكيف تنحو مناحي مختلفة، في رواية (1234) يتم تقديم هذه الفكرة في أنقى صورها. تبدأ الرواية مع ولادة فيرغسون يوم 3 آذار عام 1947 للزوجين ستانلي، الذي يدير متجراً للأثاث في نيوارك بولاية نيو جيرسي، وروز التي تعمل مصورة. ما يلي ذلك هو رواية أربعة اشكال وصور لقصة فيرغسون. سيكون لدينا أربعة ابطال في الرواية لديهم نفس نقطة البداية - "نفس الوالدين، ونفس الهيئة، ونفس المادة الوراثية" - ولكن، بدخولهم السريع في مرحلة الطفولة والمراهقة، تأخذ الشخصيات مسارات مختلفة. كل واحد من الشخصيات الاربعة (التي تحمل نفس الاسم فيرغسون )يعيش في بلدة مختلفة من ولاية نيو جيرسي وله نوع مختلف من العائلة والأصدقاء. وكما تكشف قصصهم في الفصول اللاحقة، فإنهم يصبحون اشخاصا مميزين على نحو واسع: يبدأون بالشعور بتأثير المال، والحاجة اليه . بأمور الطلاق. وقضايا التعليم، وجميع العوامل الأخرى التي تشكل بدايات حياة الانسان. يقدم بول أوستر أربعة بروفايلات بتفاصيل محببة عن وهج الشباب – عن الحماقات والإحباطات ، ولكن أيضا عن الشغف بالكتب والأفلام والرياضة والسياسة والجنس.
جميع شخصيات أرشي فيرغسون الاربعة تهتم بالثقافة ، وجميعهم كتّاب واعدون. لكن كل واحد منهم يعيش حياته بطريقة مختلفة. فأحدهم يتعرض الى حادث سيارة ويفقد أصابعه. وآخر يصبح مخنثاً. والثالث يموت صديقه فجأة. واالرابع يعيش في غرفة احد السطوح في باريس بدلا من الذهاب إلى الجامعة. والد أحدهم يموت في حريق. وسوف يكون واضحا بالفعل أن بعض من حياة الأربعة أقصر من غيرها: فبعد العاصفة في المخيم، يصبحون ثلاثة، وكما يتضح للقارئ في ما بعد، يصبح لعنوان الكتاب معنى أكثر تحديداً.
يقول اوستر"على حد علمي، لا يوجد أحد كتب رواية بهذا الشكل من قبل". "في البداية، لم أكن أعرف كم عدد الشخصيات التي اردتها ان تكون لبطل الرواية فيرغسون "، ويتابع: "كنت أعرف فقط أنها كانت فكرة حيرتني طوال حياتي." ما كان دافعه ليس فقط الدور الذي تلعبه الظروف الطارئة وغير المتوقعة في حياة الافراد، ولكن فكرة "ماذا لو" التي تلاحقنا، والحياة الوهمية التي نحملها في أذهاننا و تعمل بالتوازي مع الوجود الفعلي لنا. كيف ستنتهي إليها الأمور لو كنت ذهبت إلى مدرسة مختلفة، أو لم أكن قد التقيت بالشخص الذي تزوجته؟ هذه هي ظلال حياتنا الممكنة الأخرى (الموت). ويضيف "انها فكرة طاغية جدا"، ويعتقد أوستر "، أنها هي التي دفعتني الى كتابة الرواية."
تزامن صدور رواية (1234) مع عيد ميلاد بول أوستر السبعين. وهو يعتبرها "أضخم كتاب في حياتي" - ليس فقط بسبب صفحاته التسعمئة ، وهذا الرقم يمثل ثلاثة أضعاف صفحات اطول رواية له من بين رواياته الست عشرة الأخرى ومن حيث الانتشار، فهو مقتنع، أنها "سوف تهيمن على الجميع. أشعر أنني انتظرت حياتي كلها لكتابة هذا الكتاب. كنت اؤسس له طيلة كل هذه السنوات ".
أصبحت كتابة الرواية مسألة ملحة وعاجلة بالنسبة له . "عشت في قبو في الطابق السفلي من منزلي" - الطابق السفلي مبني من الحجر البني - "وكنت اعمل ما يقرب من سبعة أيام في الأسبوع. كنت أريد أن استمر في العيش حتى الانتهاء من كتابتها ". ويتوقف لياخذ رشفة من احدى السجائر الإلكترونية: قبل عامين تخليى عن تدخين السجائر الصغيرة بدأت بتأليف الرواية في عامي السادسة والستين ، وهو العام الذي مات فيه والدي أثر نوبة قلبية. وعندما تجاوزت تلك المرحلة، بدأت اعيش في عالم مخيف جدا. اشعر بالاستقرار فيه الآن، ولكن قبل ذلك، كانت فكرة الموت المفاجئ تملأ رأسي ".
بول أوستر هو احد نجوم الساحة الأدبية العالمية لعقود من الزمن، فمنذ صدور ثلاثيته ( نيويورك) في منتصف الثمانينيات التي جعلت منه كاتبا رائجا قدم قصصا بوليسية في اطار مشوق من الاحداث السريعة والمفاجئة الممزوجة بشذرات من الوجودية. الكتاب الأول في ثلاثيته ،كان بعنوان ( مدينة الزجاج)، يقم لنا الكاتب، كوين، والذي هو صورة للكاتب بول أوستر: وهو يروي حكاية ما بعد الحداثة للاغتراب في المناطق الحضرية،
ومع ان بول اوستر لقي احتراما كبيرا في فرنسا وكان الروائي صاحب الكتب الأكثر مبيعا في بقية أوروبا، فقد كان أقل شهرة في وطنه، برغم أن هذا تغيّر عندما، صنع في منتصف التسعينيات مع واين وانغ، فيلم (دخان)، وشارك في افلام اخرى ثم بدأ يلقى المزيد من الاهتمام لأعماله الرقيقة في مجال السيرة الذاتية، وروايته (موسيقى الحظ)
كما كان بول اوستر يخشى ان لا تُسمع آراؤه السياسية، نظراً لميوله اليسارية في الأدب، ولكنه من الصعب عليه في هذه اللحظة تجنب الخوض في موضوع الرئيس الأمريكي الجديد: "انه كل ما يشغل تفكيري في الوقت الحاضر". في الماضي وقف بول اوستر ضد الحرب على العراق وضد جورج دبليو بوش، وحدث خلاف علني له مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في قضية الكتّاب المسجونين. وعشية الانتخابات الأمريكية الأخيرة، وصف نفسه بأنه كان "على حافة الانهيار العصبي".
وقال في أعقاب فوز ترامب،: "أشعر بالدهشة تماما أننا يمكن أن نصل الى هذا الحد. أجد ان انتخابه هو الشيء الأكثر رعباً الذي شهدته في عالم السياسة طوال حياتي. "ان اعمال القرصنة التي قام بها الروس لمواقع الحزب الديمقراطي هو" تقريبا مثل إعلان الحرب، من دون رصاص ". "و منذ فوز ترامب في العمل فإنني افكر في كيف لي أن أعيش سنواتي القادمة"، وقررت ان اتحدث بصراحة ، وإلا فلا أعتقد أنني يمكن أن استطيع العيش ".في رواية (1234) نتعرف على ردود افعال شخصيات الرواية ايام الشباب للأحداث التاريخية التي شهدتها الولايات المتحدة في الستينيات: حركة الحقوق المدنية واغتيال الرئيس كينيدي، وحرب فيتنام والاحتجاجات الطلابية في جامعة كولومبيا في عام 1968. وعند سؤال بول أوستر عما إذا كان هناك أية صلة بين الماضي والحاضر اجاب قائلا. "رغم انها كانت اوقاتاً صاخبة، لكنها لم تكن محبطة مثل ما يحدث اليوم،" ويشرح قائلا. "كيف ان شيئا كثيرا لم يتغير في الحياة الأمريكية منذ ذلك الحين. فالعنصرية لا تزال تمثل مشكلة كبيرة جدا. ولا يزال يجري اتخاذ قرارات السياسة الخارجية الغبية. والبلد منقسم تماما الآن كما كان آنذاك. ويبدو كما لو ان اميركا ستبقى منقسمة دائما بين الناس الذين يؤمنون بان الفرد فوق كل شيء آخر، و الناس الذين يعتقدون أننا مسؤولون عن بعضنا البعض ".
قضى أوستر معظم سنوات العقد الماضي في التفكير في سنوات طفولته وأمريكا التي نشأ وترعرع فيها. وعندما بلغ الخمسين من عمره، وبعد ان داهمته أول نوبات اعتلال الصحة، فقد كتب سلسلة من الروايات التي تركز على الناس الضعفاء (تمبكتو، و كتاب الأوهام،) وحضور الموت في ثنايا التفكير بالحياة. وخلال سنواته الستين، عاد بالزمن الى الوراء. (وكثيرا ما يذكر بيتا من قصيدة الشاعر جورج اوبين عن التقدم في السن: "يا له من شيء غريب انك كنت يوما ما صبي صغير".) روايته الثالثة عشر، كانت بعنوان غير المرئي، عن طالب يدرس في جامعة كولومبيا في أواخر الستينيات من القرن العشرين حيث درس بول أوستر هناك . ورواياتيه الأخيرتين هي من ضمن السيرة الذاتية له، وهي محاولات شعرية لتذكر حالة الأحاسيس وأنماط التفكير ايام طفولته. "اعتقد ان هذه الروايتين قد وضعتا الأساس لهذه الرواية."
***
يبدأ بطل الرواية فيرغسون، كما فعل أوستر، سنوات مراهقته في عام 1960: يقول الكاتب "أردت أن اعطي إحساسا لما شعرت به حينما كنت اكبر انذاك"،: الرواية الجديدة هي "قصة تطور الشخصية الإنسانية ... وقدعملت جاهدا في التفكير في مراحل مختلفة "من حياة الشاب. "كان اسم أمه روز"، هكذا تبدأ قصة فيرغسون رقم 1 "، ونتابع معه كيف يصبح كبيرا بما يكفي ليعرف شد حذائه ويتوقف عن التبول في السرير. ورواية (1234) عازمة على تصوير اسلوب حياة ارشي، الذي شاركت في تكوينه الدوافع الشخصية والاحداث العامة. يتم اطلاق النار على الرئيس كينيدي في اليوم الذي يمارس فيه فيرغسون رقم 1 الجنس مع ايمي للمرة الأولى: أنهم يشاهدون تغطية الحدث لساعات على شاشات التلفزيون ومن ثم يتدحرجون في السرير. يقول اوستر (أي استحضار لحياة المراهق لا بد ان يتطرق "الى استحواذ الجنس على تفكيره" - و يشير إلى أنه "من الصعب ان تستحوذ فكرة أخرى على رأسك".)وتتكشف احداث التاريخ:تفيد احد تقارير فيرغسون أن شرطة ولاية ألاباما هاجمت المتظاهرين دفاعا عن الحقوق المدنية في سيلما، وأن التخصيصات المالية لحرب فيتنام قد تضاعفت. ويظهر في المشهد زوج الأم ، والرياضة تأخذ مركز الصدارة، ويبدأ تعلم قيادة السيارات لأول مرة، و جميع شخصيات فيرغسون الاربعة تكون في حالة مرنة، في طريقها الى التشكل انهم جميعا نضجوا قبل الأوان ، وحساسون، ومحببون وذوي تفكير سليم: كان أوستر يريد ان يلتقط "طبيعة الخراب التي تتغلغل داخل" ارشي "، والفوضى المتناقضة من الأحكام التي لا ترحم ، جنبا إلى جنب مع وداعة الروح ... استقامة الصبي الطيب و الحماقات التي يرتكبها قلبه ".
في الصفحات الأخيرة من الرواية، تشير احدى الجمل " على المرء ان يواجه في مسيرة حياته مسالك متشعبة لا نهاية لها ". وفي هذا إشارة إلى خورخي لويس بورخيس - الكاتب الذي استشهد به اوستر كثيرا في ثلاثيته نيويورك - وقصته "حديقة المسالك المتشعبة"،تأتي في القمة والتي هي على نحو ملائم بما فيه الكفاية، رواية فيها كل النتائج المحتملة للاحداث التي تقع في وقت واحد..
وروايته الجديدة هي أيضا نموذجية في الاستفادة من خبراته الخاصة. فنحن نعرف من قراءة مذكراته أنه، مثل فيرغسون رقم 3، عاش في غرفة على السطح لاحدى الخادمات في باريس عندما كان شابا..و في الحقيقة فبالنسبة للقراء الذين لديهم دراية بأعمال أوستر، فان هذه الرواية هي تقريبا صدى، لمواضيع مألوفة في روايات اوستر - بما في ذلك قصة البرق، الذي كان قد رواها في أماكن أخرى - يتردد صداها داخل سرد شخصيات فيرغسون المتعددة. و على ما يبدو فان المؤلف، قدم عصارة حياته كلها في هذا الكتاب.
يقول اوستر "ااستعرت بعض الأشياء من حياتي الخاصة"، " ولكن من هو الروائي الذي لا يفعل ذلك؟" ولكن خلافا لغيره من الكتاب، فإنه نادرا ما ينهي مثل هذه المحادثات مع تذكير دائم الى حد الملل بان الرواية تشتمل على امور من صنع الخيال ، ولكنها تميل بدلا من ذلك تطوعا بالضبط الى ان يضمن في كل كتاب لقطات من حياته. هناك حادثة واحدة في روايته الجديدة وهي مباراة كرة السلة، التي خاضها فيرغسون رقم 4، والتي تنتهي بنشوب معركة بين الأطفال السود والأطفال البيض. وكان حاضرا في هذه المباراة، و "كانت محبطة جدا بالنسبة لي"، كما يتذكر، "كان عمري 14 عاما ومليئاً بالمثالية".
وقد تعرض بول اوستر لبعض النقد من جراء استشهاده الدائم في رواياته باحداث من حياته و نظرا لما اعطاه لبطل الرواية فيرغسون من التألق الفكري والآراء التقدمية فقد كان مستعدا للتهمة، حيث وصف احد النقاد روايته بأنها " سرد مطول جدا لعبقريته ". و أشار ناقد آخر إلى انه"سحب سحره في الكتابة نحو سيرته الذاتية". وببساطة فان قراء روايته الجديدة الذين لم يطلعوا على اعماله لا يهتمون، يقول بول اوستر ،: "انني أحاول في رواياتي ان اصور العالم الذي اعرفه – الواقع الذي عشته وخبرته وهو العالم المليء بالمفاجآت، والإرباك، وليس فقط العالم الذي يتوقعه المرء."
يحب أوستر ان يؤرخ لبداياته ككاتب إلى اليوم الذي التقى فيه ببطله في لعبة البيسبول يلي ميس في نيويورك،وكان حينها في الثامنة من العمر واستجمع كل شجاعته وطلب منه توقيعه. ولكن لا والده ولا والدته كانا يملكان حينها قلم رصاص، فتجاهله اللاعب ومشى بعيدا. حينها بكى أوستر ، وكره نفسه بسبب هذا البكاء، ولكنه قرر منذ ذلك اليوم – كما تخبرنا الرواية – ان لا يترك المنزل من دون قلم رصاص: "إذا كان هناك قلم رصاص في جيبك، فان هناك فرصة جيدة في يوم ما انك ستشعر بالرغبة لاستعماله "(بعد 52 سنة من تلك الحادثة، قدم له لاعب البيسبول يلي ميس كرة بيسبول عليها توقيعه).
شهرة أوستر بدأت مع ثلاثية (نيويورك) التي صدرت عندما كان في أواخر الثلاثينيات من عمره (وحتى ذلك الحين كانت روايته مدينة الزجاج قد تم رفضها من قبل 17 ناشراً). وقد كتب بشكل ممتع وجذاب عن تلك السنوات الطويلة التي سبقت النجاح، وخاصة في مذكراته من اليد إلى الفم، والتي تحمل عنوانا فرعيا هو"وقائع الفشل المبكر" (والتي يذكر فيها عمله لاول مرة على متن ناقلة نفط). وعاش في فرنسا منذ عام 1971مع الكاتبة ليديا ديفيس التي كان قد التقاها في الكلية. وكانا يعيشان على كتابة المقالات النقدية والترجمة ويتشاركان الاعتقاد أن فقرهم شيئ رومانسي - حتى ازداد الوضع بؤسا فعادوا في نهاية المطاف إلى الولايات المتحدة، مع تسعة دولارات في جيب كل واحد منهم، وتزوجا في عام 1974. وفي العام التالي، وكانوا ينتظرون طفلا - ابنهما دانيال - اشترى الزوجان منزلا قديما في ، نيويورك. وعند وصولهم، عرف أوستر أنهما ارتكبا خطأ. فقد علقت على الشرفة الخلفية ملصقات قديمة مؤيدة للنازية ونسخة من كتاب بروتوكولات حكماء صهيون،
السنوات التالية كانت من أتعس السنوات التي عاشها في حياته. وقد مر بظروف صعبة جدا،." زواجه المضطرب مع ديفيز انتهى في عام 1978، وواجه أوستر ما سماه "أزمة سيئة للغاية": "لم اعد امتلك شيئا اتعلق به".
وفاة والده في العام التالي غيّرت حياته . ليس بسبب المال القليل الذي ورثه وجعله يتمكن من الاستمرار في الكتابة، لكنه شرع على الفور في تأليف كتاب نثري عن البحث عن الوالد البعيد والغائب، والذي أصبح فيما بعد كتاب مذكرات رائع بعنوان اختراع العزلة. وكان الشيئ الاكثر اثارة للصدمة اكتشافه أنه في عام 1919 ان جدته أطلقت النار على جده وقتلته . تمت تبرئتها على أساس اصابتها بالجنون المؤقت ولم يتطرق أبنائها الخمسة ابدا لتلك الفضيحة. وكان سام أوستر (والده)في الثامنة من عمره في ذلك الوقت: "لا يمكن لصبي يشهد مثل هذا الحدث أن لا يتأثر به حين يصبح رجلا."كما يقول اوستر
في عام 1981، قبل عام من نشر كتابه اختراع العزلة، يلتقي أوستر بزوجته هوستفيد في امسية شعرية . ويقول عنها انها انقذته في كثير من الأحيان :" انه امر يبدو مليئا بالعاطفة، اننا نعيش سوية منذ 36 عاما "، ويضيف "، انها الشخصية الأكثر ذكاء التي عرفتها على الاطلاق. "إنها القارئه الاولى لكتاباتي دائما، و "لم يحدث ان قدمت اقتراحا لي دون ان اعمل به ". اصدرت هوستفيد مؤخرا كتابا يضم مجموعة من المقالات بعنوان امرأة تنظر الى الرجال الذين ينظرون إلى النساء، ويقول أوستر (لقد تعلمت الكثير منها على مر السنين انها ناشطة. ". " نسوية متحمسة وأنا أتفق معها في كل مواقفها. فهي مواقفي كذلك '.
واخيرا يقول أوستر "... انه يفكر في البدائل لحياتنا – كيف يمكن ان تكون الحياة جميلة وممتعة - اعتقد اننا نعيش بطريقة مجنونة. عنما يعود مرة أخرى للحديث عن ترامب والدولة الأمريكية، يشير الى أنه كثيرا ما يعذبه السؤال الذي قاله فيرغسون رقم 4 في الرواية:" هل ان العالم على كف عفريت " ؟ "عندما يكون لديك وعي وضمير اجتماعي، فان هناك اشياء كثيرة في داخلك تجعلك تقرر كيف تعيش حياتك" وان "الجواب لا يأتيك أبدا ". ولكن لا يزال هناك "التوق والشغف باللكتابة"، و هو مصر على "الاستمرار في الكتابة"، حتى لو لم تأتيني العبارات المناسبة. "هناك الإثارة، والكفاح والحماس والحيوية .اعتقد ان الكتابة تجعلني أشعر بشكل أكبر أنني على قيد الحياة ".
عن: الغارديان