بعد فلم السيرة الذاتية The Theory of Everything -نظرية كل شيء- للمخرج جيمس مارش ، وبطولة الحائز على الاوسكار أيدي ريدمان ، وفلم My left Foot -قدمي اليسرى- للمخرج جيم شيرديان ،وبطولة دانيال دي لويس ، لم أشاهد فلما يمكن أن يطرح قضية الاعاقة
بعد فلم السيرة الذاتية The Theory of Everything -نظرية كل شيء- للمخرج جيمس مارش ، وبطولة الحائز على الاوسكار أيدي ريدمان ، وفلم My left Foot -قدمي اليسرى- للمخرج جيم شيرديان ،وبطولة دانيال دي لويس ، لم أشاهد فلما يمكن أن يطرح قضية الاعاقة الجسدية الولادية منها والمكتسبة بطريقة تجعل المشاهد يتعاطف او ينتبه الى الاهمية الكبرى للمعاقين ، وضرورة عدم تهميشهم والاهتمام بهم ، وعدم الاكتفاء بتأسيس جمعيات ومنظمات تعنى بشؤونهم.
فالإعاقة الجسدية لا تعني الاعاقة الذهنية ، وما يمكن ان ينتجه ويبدعه العقل البشري ،يتساوى بين الشخص المعاق جسديا والسليم ، ويأتي فلم (قتلة على كراسي متحركة) للمخرج أتيلا تيل ، ليطرح هذا الموضوع مجددا ، في مجتمع " هنغاريا " الذي ما زالت الكثير من التقاليد القديمة سائدة فيه ، خصوصا في النظرة الى المعاقين جسديا ، معتمدا على سيناريو محكم كتبه أتيلا تيل نفسه مشتغلا مع طاقم من المعاقين فعليا ، اشتغلوا بأقصى ما يستطيعون ، كأنهم ارادوا ان يدافعوا عن حقوقهم فعلا من خلال تصحيح نظرة المجتمع لهم .
فلم (قتلة على كراسي متحركة) ، واحد من الافلام المهمة التي تنتجها سينما أوروبا الشرقية ، التي لا نتوفر على مشاهدتها كثيرا ، ربما في المهرجانات السينمائية فقط ، لان بعض مستوردي الافلام لصالات العرض ، وكذلك بعض الفضائيات ، يعتمدون على افلام الأكشن والرومانس وغالبية ما تنتجه هوليود من أفلام في اغلب الاحيان ز
مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ38 ، وفر فرصة مشاهدة عدد من هذه الافلام من بينها هذا الفلم الذي حاز على جائزة الهرم الذهبي فيه.
نجح المخرج أتيلا تيل في الاشتغال على ثيمة امكانية تجاوز الشخص المعاق ، لإعاقته الفيزيائية التي فرضت عليه ولاديا او اكتسبها نتيجة حادث ما ، وتأكيده على انه لا يختلف كثيرا عن الشخص السليم في الجانب العقلي والروحي ، وان اختلف ذلك بين معاق واخر .
في مؤسسة للرعاية الاجتماعية يعيش زولي أدى دوره Zoltan Fenyves، مع زميله باربا Adam Fekete ، في غرفة مشتركة ، وكلاهما يمتلك موهبة الرسم ، ونسج الحكايات من خلال الرسوم ، زولي يعاني من الم في عموده الفقري وهو بحاجة الى عملية جراحية كبرى في المانيا ، لا يمتلك ثمن اجرائها ، رغم ان والده الذي هجره وامه يمكن ان يمده بالمال اللازم لكنه يرفض مساعدة والده ، رافضا العطف على معاق ، وليس الالتزام الاخلاقي الابوي الذي يفترض ان يكون .
مشاجرة تقع بين زولي وباربا مع شخص يدعى جانوس ، معاق هو الاخر نتيجة حادث وقع له في عمله السابق كإطفائي، هذه المشاجرة تكون فاتحة لعلاقة بينها ، تاخذهما لعالم الجريمة الذي عادة ما يبتعد المعاقون عنه ، كونه لا يرحب هو بمن لديه اعاقة جسدية ، ولكن هل هو كذلك فعلا ؟
يتصالح الاثنان مع صديقهما الجديد جانوس ، الذي يدعوهما لسهرة صاخبة ، وتمتد العلاقة بينهم ليعدهم بتوفير عمل لهم ، وهو الذي يعمل مع واحد من عتاة المجرمين ، اليوغسلافي رادوس (Dusan Vitanovics)، صاحب المعارك والعداوات الكثيرة مع غيره من المجرمين وغير المجرمين، والذي سبق وان كلف جانوس بتصفية العديد من خصومه ، مستفيدا من اعاقة جانوس ، وعدم الشك فيه ، كمجرم يمكن له ان يفعل ما يفعله الاشخاص العاديون ، فالإعاقة لا يمكن ان توقف شخصا ما عن القيام بفعل يريده ، بل يمكن ان تكون عامل تغطية له ، خصوصا اذا كانت هذه الافعال افعالا شريرة كالقتل .
يتعاون باربا وزولي ، مع جانوس ، ويغدق عليهما الكثير ، فيصبحان مع جانوس " قتلة على كراسي متحركة"..
لكن رادوس وبعد عملية ناجحة نفذها جانوس ، يعلم بان الاخير يستخدم اثنين من المعاقين كمساعدين له ، وخوفا من ان ينفضح امره ، يأمر جانوس بتصفيتهما ، فيقوم الاخير باستدراجهما الى بحيرة ويقوم بإلقائهما فيها ، لكنه المعاق جسديا ، لا يقوى على ان يقتل زميليه في الاعاقة على الاقل فيقوم بإنقاذهما ، ويخبر رادوس بانه قتلهما ، لكن الاخير يكتشف فيما بعد انه لم يقم بذلك ، فيعلقه بحبل مشنقة ويتركه ، لكن جانوس ونتيجة التدريبات التي كان يقوم بها ينجح من الافلات من الموت ، ويخطط مع باربا وزولي ، لقتل رادوس ، وينجحون في ذلك رغم التحصينات التي وضعها الاخير لبيته ، لكنهم يخسرون جانوس.
استخدم المخرج اتيلا تيل ، العديد من المشاهد المرسومة بالفحم ، ليقحمنا بين ما هو واقعي وخيالي ، وهي اشارة أولية الى امكانية افتراض الاحداث ، رغم ان معظم الافلام السينمائية تعتمد على حكاية من نسج كتابها ، وان كان هناك ما يشابهها في الواقع . والفلم اعتمد على قصة حقيقية ، فلماذا يجعلنا نعرف ان الحكاية بكاملها ، كانت عبارة عن قصة مصورة كتبها زولي بمساعدة باربا ، وارسلها لأبيه ليخبره ان بإمكانه عمل اي شيء ، سواء عن طريق نسج الحكايات المصورة ، وكذلك امكانية تطبيقها عمليا في ذات الوقت .
رغم ان الفلم يبدو وكانه فلم قريب الى الاكشن مع كون ابطاله من المعاقين الا ان للفلم دلالات ورسائل مهمة اراد طرحها ، فمعظم الناس تتعامل مع المعاقين وكأنهم اشخاص لا فائدة لهم ، وانهم بعيدون عن الكثير من الاعمال سواء كانت الطبيعية منها او حتى اعمال العنف وعالم الاجرام ، لذلك كانت الحكاية تطرح ما لم يكن يتوقعه الكثيرون ، وهو امكانية قيام المعاق فيزيائيا بالكثير من الاعمال والافعال ، حتى الجرمية منها .
كذلك يطرح الفلم ، تخلف بعض الدول في التعامل مع المعاقين وعدم توفير الفرص اللازمة لهم ليعيشوا ، فالمنح التي تقدم لهم لا تكفيهم ، وبالتالي يكون الاهم توفير فرص عمل لهم ، بما يتناسب واعاقتهم ، وربما البعض وخصوصا في العالم الشرقي قد لا يتفاءل لرؤية معوق ما في اول نهاره .
ما يحسب للمخرج اتيلا تيل ، انه استطاع تحريك ممثليه بحرفية عالية [ معظم ابطال الفلم معاقون جسديا ] وتوظيف ادائهم بما يخدم هدف الفلم وغايته ، كذلك كان الاداء الرائع للممثلين سببا رئيسا في الارتقاء بمستوى الفلم ،خصوصا في المشهد المهم ، عندما يسهر الثلاثة باربا وزلي وجانوس ، مع بعض الفتيات ، وحجم المعاناة التي يلاقونها بسبب اعاقاتهم الجسدية ، واعتقد انه المشهد الاكثر تأثيرا في الفلم.