TOP

جريدة المدى > سينما > فيلم "داليدا" لـليزا أزويلوس.. ملحمة الحب والحلم والموت

فيلم "داليدا" لـليزا أزويلوس.. ملحمة الحب والحلم والموت

نشر في: 2 فبراير, 2017: 12:01 ص

بداية الفيلم تكون مع اللحظات الأخيرة من حياة الفنانة داليدا قبل أن تنتحر في 3 أيار 1983، ثم نتعايش مع الحياة الخاصة لداليدا بل الإنسانة التي غنت للناس وأسعدتهم، أعطتهم الحلم والحب والفرح، هذه العناصر الثلاثة أصر القدر أن يسلبها من فنانة ما تزال أغاني

بداية الفيلم تكون مع اللحظات الأخيرة من حياة الفنانة داليدا قبل أن تنتحر في 3 أيار 1983، ثم نتعايش مع الحياة الخاصة لداليدا بل الإنسانة التي غنت للناس وأسعدتهم، أعطتهم الحلم والحب والفرح، هذه العناصر الثلاثة أصر القدر أن يسلبها من فنانة ما تزال أغانيها حية وستظل خالدة طالما هنالك من يحلم ويعشق.

خطوة إلى الحب وخطوات إلى الموت
أقدمت المخرجة الفرنسية ليزا أزويلوس على مغامرة خطرة كون ليس من السهل أن تتناول شخصية أسطورية حديثة قيل عنها الكثير وما يزال ضجيج روعة أغانيها وأفلامها ورقصاتها تملأ الدنيا، حفرت المخرجة لتنقب في كواليس حياة داليدا الخاصة المليئة بالتعاسة والمآسي التراجيدية كونها تمنت أن تكون امرأة عادية تعد العشاء لزوج يحبها وحلمت أن يكون لها أطفال يلعبون ويمرحون حولها لكن تلك الأماني لم يأبه بها القدر، وهكذا انتقلت من حضن إلى حضن ليس طمعا في الشهوة وإنما بحثا عن الحب والسلام فكانت خطواتها..خطوة إلى الحب وخطوات إلى الموت، فمعظم الرجال الذين أحبتهم انتحروا ليتركوا حسرات وأوجاع مؤلمة وعندما شعرت هذه الفنانة الحساسة بأن الحياة تافهة وأن الموت هو الحقيقة سارعت لترتمي في حضنه لعله يمنحها السلامة.
اختارت المخرجة عارضة الأزياء الإيطالية السابقة سفيفا الفيتي للقيام بدرو شخصية داليدا، ربما جاء الخيار كون الممثلات الجدد يثيرن في الفيلم الكثير من الكاريزمية الباذخة وللحصول على أداء طبيعي وديناميكي، يبدو من اللحظة الأولى في الفيلم أنه لا يسعى لعرض نجومية داليدا ولا توثيق مسيرة غنية من المجد والشهرة وسارع إلى تأطير الجانب الإنساني كأنه تلبية متأخرة لواحد من أحلامها وهو أن تجد من يشعر ويحسّ ببعض ألمها، فهي كانت  امرأة  تمسكت بعزلتها وظلت مغروسة في قاع الوجود المأساوي وحرة رائعة ومستقلة ورفضت كل القيود، هذه الشخصية الخلاقة،  داليدا نموذج نسائي نادر الوجود وصاحبة قوة وقدرة جعلتها تصر على انتاج شيء لمجتمع ما يزال أبويا وقاسيا على المرأة ويستغلها ماليا وعاطفيا وجنسيا، فكل رجل كانت تتعلق به في ظروف استثنائية ثم تمنحه الحب واللذة والسعادة ويكون جزاؤها نكران وقسوة أو يذهب من تحبه إلى مملكة الموت ليزيد من شقائها.

الروحي والمؤلم والإنساني البسيط في داليدا
المخرجة ليزا أزويلوس لم تعرض لنا قصة سيرة ذاتية متكاملة ومنسقة وفق تسلسل زمني منتظم وحاولت البحث عن طاقة تظل جذابة ونشطة لذلك لجأت إلى الفلاش باك وتداخل الأزمنة، فنحن نستمع إلى شهادات ثم نشاهد ذكريات الطفولة ووجع الفراق من وجهة نظر داليدا نفسها فهي شاهد العيان الأكثر ثقة لنا كمتفرجين وسنشعر بصدق الكثير من لحظات الفرح القصيرة التي يسارع الموت ليهدمها، كما أن الأغاني التي نتعايش معها تبدو كقراءة شيقة لما يوجد في داخل عمق الشخصية.
حاولت المخرجة أيضا الخروج من مأزق التوثيق الصناعي وإعادة عرض مجرد سيرة ذاتية لذلك دعمت جهدها بالبعد عن البهرجة والمبالغة في تقديس الشخصية بصورة مباشرة، نتعايش مع فنانة لا تتحدث عن مجدها وجمالها وسحرها، لعل المشكلة الكبرى في مثل هذا النوع من الأفلام تكون في خلق ايقاع تفاعلي نشط حتى لا ننزلق في وحل الملل، وخيط هذا الايقاع له ثلاثة أطراف مهمة هي (الحكاية والدراما والإغواء)، التمسك بالحكاية وتاريخ الشخصية دون وجود صراع درامي جذاب وعدم وجود دهشة تغوينا قد تكون نتيجته كارثية ولذلك استنجدت المخرجة بالروحي والمؤلم والإنساني البسيط في داليدا وهنا يأتي تعاطف المتفرج مع نموذج حي ولا يشعر أنه يشهد فيلما يأتي كتكريم للفنانة.
فى حوار للمخرجة كشفت أن فكرة الفيلم بدأت في 2014 وكان الموضوع صعبا ومعقدا للغاية وحدثت مشاكل وتحول الفيلم إلى يد أخرى وبعد وقت عاد إليها وحصلت على وثائق وارشيف داليدا، وبالنسبة للممثلة فالمسألة كوقوع الأمير الجميل الذي يبحث عن حبيبته ساندريلا ومعه فردة الحذاء السحري حيث لا شبيه لها، ووضحت أنها عملت كثيرا مع ممثلتها سفيفا ومناقشة السيناريو وكل فكرة وكان هناك الكثير من التجارب على المكياج وأنف الممثلة وباروكة الشعر والملابس ولم تكن الممثلة تتكلم الفرنسية لذلك بدأت بأخذ دروس وهي لم تكن تبحث عن ممثلة تحب داليدا بل عن ممثلة قادرة على تجسيد شخصية داليدا.

رسالة حب ومغفرة
تلخص المخرجة هدفها المهم من الفيلم هو تلبية آخر طلب للفنانة داليدا حيث تركت رسالة تشكو من قسوة الحياة وتطالبنا أن نغفر لها، فالفيلم بمثابة رسالة حب ومغفرة وهو يطلب منا فهمها وليس محاكمتها وتصديق مئات الشائعات الكاذبة والمثيرة للجدل وداليدا الآن غادرتنا إلى عالم الأنوار.
أغاني داليدا هي داليدا نفسها، هذه الفنانة كانت شخصيتها مركبة ومعقدة وحساسة جدا وتتجاذبها صراعات وأحلام وهي حالمة ورومانسية وأنثى كانت تتوق للذة فهي كما تقول أحدى أغانيها لا تريد أن تظل وحيدة وتنتظر الربيع وهي أيضا المريضة والعاشقة، يوضح أخوها ممول الفيلم بأن المخرجة الفرنسية ليزا أزويلوس جمعت شظايا مبعثرة وقدمتها من وجهة نظرها وأنه دعمها بالوثائق وناقش معه الكثير من النقاط لكنه لم يتدخل في كتابة السيناريو والنتيجة رائعة تقدم داليدا للجيل الشاب الجديد فنحن مع كوميديا رومانسية شيقة وحساسة والمخرجة استوعبت الشخصية بكل تناقضاتها ورومانسيتها وقوتها.هنالك أسئلة مهمة تطرح نفسها وتحاشى الفيلم الرد عليها وتوضيحها ومنها لماذا نحب أغاني داليدا ونشعر بطرواتها ونعومتها؟
لماذا لم يطرح الفيلم ويكشف أشياء جديدة؟ هل يعني هذا فعلا عدم وجود أسرار خفية في حياة هذه الشخصية الأسطورية؟ هل ربما بعد عشر سنوات سنشاهد فيلما جديدا يجيبنا؟
بعض المتفرجين تمنى لو أن المخرجة سارت مع خيط الحرية وابراز قوة الشخصية فهي شخصية متحررة ومعاصرة كسبت قلوب مئات الملاين وعلى مدار ما يقرب الآن من نصف القرن وأكثر منذ سطوع نجمها وتألقه فهي عالمية وإنسانية.

امرأة بحثت عن السعادة وعاشت مطاردة من الموت
الفيلم يعيد إحياء حياة المغنية على الشاشة الكبيرة ولكنه يحرص على عرض حياتها كامرأة بحثت عن السعادة على مدار حياتها وضحت من أجل سعادة جمهورها، تعترف المخرجة أنها تشترك مع داليدا في البحث عن الحب، وان الحب يظل في القلب أي أنها حاولت التحليق مع الروح بكل نقائها وكون هذه المرأة تعرضت لأربع صدمات عنيفة أي أربع حوادث انتحار لرجال عشقتهم، أي أن الموت ظل يطاردها لذلك فهي تعرفه و لجأت إليه أخيرا ليرحمها من عذاباتها ، الفيلم يرفع الستارة لنحسّ ونشعر بتأثير هذة الصدمات المدمرة التي يصعب على الإنسان العادي تحملها وهذه كمعلومة ربما نعرفها ولكننا هنا نتعايش مع هذا الألم،  الفيلم أيضا يعيد أجزاء من حياة الستينات والسبعينات لذا يكون تأثيره ليس عاديا لمن تعايش مع هذه الفترة الغنائية والفنية الذهبية وحرصت المخرجة على التدقيق في تفاصيل الديكور والملابس وتسريحات الشعر لخلق أجواء صادقة، ولم يكن الدور سهلا بالنسبة لسفيفا الفيتي التي جسدت الشخصية وأوضحت أنها بذلت جهدا خارقا ليس لتلعب الدور بحرفية بل لتكون ببساطة هذه المرأة الخارجة عن المألوف والحسابات فهي كل النساء.
في الأخير يمكن أن نشعر أن المخرجة تجاهلت حياة داليدا في مصر وعرضت مجرد ومضات لطفولة بائسة وذكريات مع أب عنيف تمنت داليدا موته بسبب قسوته، وومضات سريعة لمشاركة الفنانة في فيلم (اليوم السادس) ليوسف شاهين وهنا يقدم لنا الفيلم داليدا بنظرة غربية أو عالمية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

"ذو الفقار" يستهدف وزارة الدفاع الإسرائيلية

مالية البرلمان تحدد أهداف تعديل قانون الموازنة

نائب عن قانون تعديل الموازنة: من المستبعد إقراره خلال جلسة الغد

مفاجأة مدوية.. نائب يكشف عن شبكات تتجسس على المرجع السيستاني

برلماني يصف الوضع السوري بـ"المعقد": العراق يسعى لحماية مصالحه

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

"إرنست كول، المصور الفوتوغرافي".. فيلم عن المصور المنفي الجنوب أفريقي

مقالات ذات صلة

فيلم أسامة محمد
سينما

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

علي بدرالحكاية تُروى بالضوء والظلعرض أمس في صالون دمشق السينمائي فيلم "نجوم النهار" للمخرج السوري أسامة محمد، بحضوره الشخصي بعد غيابه عن بلاده ١٤ عاما، الفيلم الذي منع من العرض في زمن النظام السابق...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram