TOP

جريدة المدى > سينما > فيلم "هي" حلقة ربط بين الماضي والحاضر

فيلم "هي" حلقة ربط بين الماضي والحاضر

نشر في: 2 فبراير, 2017: 12:01 ص

استطاع المخرج الهولندي بول فيرهوفن (Paul Verhoeven 1938ـ)، في فيلمه ((elle 2016،  الذي يحمل الجنسية الفرنسية والناطق بها، أن يحصد جائزة  "غولدن غلوبز" لأحسن فيلم ناطق بغير الانجليزية، ناهيك عن جائزة أحسن ممثلة التي تحصلت عليها بطلة الفيلم ا

استطاع المخرج الهولندي بول فيرهوفن (Paul Verhoeven 1938ـ)، في فيلمه ((elle 2016،  الذي يحمل الجنسية الفرنسية والناطق بها، أن يحصد جائزة  "غولدن غلوبز" لأحسن فيلم ناطق بغير الانجليزية، ناهيك عن جائزة أحسن ممثلة التي تحصلت عليها بطلة الفيلم الرئيسية، حيث عكس المخرج في هذا الفيلم تجربته الطويلة والمتنوعة في السينما، وخلق شخصيات تقتات من الواقع اليومي للحياة ومآسيها، محافظا على التفاصيل التي تربط الجمهور بمنتجه.

وبتجربته المتنوعة، استخرج أفضل ما في الممثلين، وخلق بينهم الانسجام، مثل الدور الكبير الذي أدته إيزابيل هوبير، التي تملك هي الأخرى مرجعية واسعة في التمثيل، أخرج ما عندها من طاقات متجددة، وأخرى كانت مخبوءة، وهذا ديدن فيرهوفن الذي يحترم عمله، ولا يكرر نفسه، إذ تستهويه التجارب الجديدة دائما، إذ كل ما دخل في تجربة، إلا وخرج من أخرى، رغم سنه المتقدمة (78 سنة)، غير أنه ما يزال يحافظ على عطائه الفني، بنفس الوتيرة تقريبا.
 ركّز الفيلم الفرنسي "هي" على سلوك الفرد وإفرازاته على الأسرة، المجتمع والمحيط، وكيف لحادث نتج عن أب مهووس مريض نفسي  أن تكون له تأثيرات أورثها لابنته ميشيل (ايزابيل هوبير)، والتي بدورها أورثتها هي الأخرى إلى ابنها فنسنت (جوناس بولكيت) ، ومن الممكن أن يصل حتى لحفيد الحفيد إن لم يتم استئصاله، وقطع حلقة الوصل بينهم، ليتحول الأمر برمته إلى حالة آنية تزول بزوال الشخص، وقد جسّد الفيلم مفاهيم المُجايلة الأسرية، ومدى تأثير حادثة بعينها على مجتمع، وإمكانية أن تتوسع الحالة لتنتشر ولا تتوقف عند شخص أو فضاء معين، ومن الممكن أن تذهب إلى أكثر من مكان، من هنا يتم طرح السؤال الجهوري، والذي تأسس من أجله هذا العمل، وهو كيف نعالج ما فينا ونتحرر من الماضي وتراكماته، ونبدأ بتأسيس حاضر لأنفسنا يمكنه أن يكون فيما بعد ماضيا عقلانيا لأولادنا وأحفادنا، يبنون به حياة متوازنة، غير متداخلة بالأمراض.
شخصية ميشيل في الفيلم كانت بمثابة حلقة الوصل التي ربطت الماضي بالحاضر، أي ما كان عليه الوضع وما وصل إليه، هي سيدة أعمال خمسينية، مطلقة ومتسلطة، تملك مؤسسة إنتاج ألعاب فيديو، تعرضت للاغتصاب في بيتها، من قبل رجل ملثم، لكنها لم تودع شكوى لدى الشرطة، واكتفت بإخبار المقربين منها فقط، لأنه وحسب منطقها ستُحيي هذه الحادثة الجريمة التي ارتكبها والدها، عندما كان عمرها 10 سنوات، حين قام بقتل مجموعة من الأطفال، بدافع ديني، والخوف من أن تصبح مادة دسمة لدى الصحافة التي تتابعها عن قرب، لهذا بدأت في إجراء تحقيق شخصي داخلي في مؤسستها، خصوصا وأنه تم تصميم فيديو يعكس صورتها ويجسد عملية اغتصابها، للقبض على الجاني، لتكون هذه الحادثة هي عصب الفيلم، أمام القصص الثانوية التي تعكسها العلاقة المضطربة بين ميشيل وابنها فنسنت، الذي أراد فجأة الزواج من فتاة (Alice Isaaz) أقل ما يقال عنها أنها طائشة، وهي حامل وتنتظر مولودا، حيث لا يتفق الطرفان على رأي واحد، والعلاقة الأخرى تعكسها والدتها إيرين (Judith Magre)، التي ورغم سنها المتقدم إلا أنها لا تزال تقيم العلاقات مع شباب مقابل تقديم المال لهم، وأكثر من هذا تريد الزواج، ناهيك عن علاقتها بزوجها السابق الذي تغار عليه، وأكثر من هذا كله أنها عرفت مغتصبها، وهو جارها باتريك، (Laurent Lafitte)، الذي نسجت معه علاقة غريبة، ورضت وتعلقت به رغم أنه اغتصبها، حيث باتت تستلذ هي الأخرى بالضرب الذي تتلقاه منه أثناء ممارسة العلاقة الجنسية، وأكثر من ذلك احتج باتريك على هذه العلاقة التي لا تعني له شيئا، لأنه حسب طرحه المرضي فهو لا يمارس العلاقة الجنسية إلا من خلال الاغتصاب وتألم الضحية التي يغتصبها.
تعيش ميشيل وسط هذه الأحداث، خصوصا وأن الصحافة بدأت تتحدث عن والدها، الذي ربما يتم الإفراج عنه، وهو الأمر الذي لا يعجبها ولا يعجب والدتها، إذ أنه السبب الرئيسي في ما تعيشه الآن، بالإضافة أنها كانت شاهدة على جرائمه، وأكثر من هذا ساعدته في حرق بعض الأشياء، حيث صورتها الصحافة وقتها وهي شبه عارية، ولا تزال صورتها تتداول من وقتها.
الماضي يسكن في كل تفاصيل ميشيل، وأصبح يتحكم في حياتها، وحياة غيرها، مثل ما حدث لابنها فنسنت الذي أنجبت زوجته طفلا أسود البشرة، أي أنه ليس ابنه، وهو يعلم هذا، لكنه متمسك به وبزوجته، كما أنه كان يعرف بأنه ليس ابنه، ورغم ذلك تزوج الفتاة لأنها كانت حاملا، وكأنه يبحث عن ملجأ، عن أشياء يريد أن يقدمها لهذا الطفل، أشياء لم تُقدم له من طرف والدته،  مرض ميشيل لم ينحصر في الأسرة فقط، بل تعاده إلى خلق علاقة غرامية مع روبرت (Christian Berkel)، زوج أقرب صديقاتها وهي آنا (Anne Consigny).
ضاقت الدنيا على ميشيل بما رحبت، لهذا قررت أن تُصحح أعطابها، وتواجه ماضيها، ولن يكون هذا إلا من خلال مواجهة والدها في السجن، لهذا قدمت طلبا لزيارته، لكنها تفاجأت بأنه قام بقتل نفسه عندما علم بهذه الزيارة، أي أنه انتحر شنقا، وكأنه علم بأنه كان سببا في العديد من المآسي، ومن بينها مآسي وسلوك ابنته، كما أنها قررت مواجهة باتريك المغتصب، المريض النفسي، الذي من الممكن أن يكون قام بعدة جرائم اغتصاب، وعندما تمت المواجهة بينها وبينه في البيت  أراد اغتصابها من جديد، دخل ابنها فنست وقتله، ومن هنا تقرر زوجته المتدينة جدا ربيكا (Virginie Efira)، بيع البيت والرحيل، حيث كانت ميشيل في تودعيها، لترد عليها ربيكا، وتشكرها على أنها ساعدت زوجها الذي تسكنه روح معذبة، في إشارة على أنها كانت تعلم بعلاقتها معه، وفي باب التصحيح دائما صارحت صديقتها آنا بعلاقتها بزوجها، و هنا تكون ميشيل قد تصالحت مع نفسها وماضيها ومحيطها لخلق حياة جديدة ومتوازنة.
فيلم "هي" ذكي مترابط، غني بالأحداث والإثارة، ويعالج قضية في غاية الأهمية، وهي توريث السلوك السلبي، مع إبراز مدى تأثير حادثة بعينها على أجيال عدة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

"ذو الفقار" يستهدف وزارة الدفاع الإسرائيلية

مالية البرلمان تحدد أهداف تعديل قانون الموازنة

نائب عن قانون تعديل الموازنة: من المستبعد إقراره خلال جلسة الغد

مفاجأة مدوية.. نائب يكشف عن شبكات تتجسس على المرجع السيستاني

برلماني يصف الوضع السوري بـ"المعقد": العراق يسعى لحماية مصالحه

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

"إرنست كول، المصور الفوتوغرافي".. فيلم عن المصور المنفي الجنوب أفريقي

مقالات ذات صلة

فيلم أسامة محمد
سينما

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

علي بدرالحكاية تُروى بالضوء والظلعرض أمس في صالون دمشق السينمائي فيلم "نجوم النهار" للمخرج السوري أسامة محمد، بحضوره الشخصي بعد غيابه عن بلاده ١٤ عاما، الفيلم الذي منع من العرض في زمن النظام السابق...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram