TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > هل تراجعت الفنون أم تغيّرت الذائقة؟

هل تراجعت الفنون أم تغيّرت الذائقة؟

نشر في: 6 فبراير, 2017: 09:01 م

نعم تراجعت الفنون الجميلة في العراق عما كانت عليه في القرن العشرين ونعم تغيّرت ذائقة ملتقى الفنون الجميلة الى الأدنى والفن هو الذي يصنع الذائقة . وصلتُ الى هذه المعادلة عندما كنت أستمع إلى الأغاني العراقية في السبعينات من القرن الماضي . أغاني (فاضل عواد وحسين نعمة وسعدون جابر ) واتفحص كلمات مؤلفيها (مظفر النواب وزامل سعيد فتاح ، وناظم السماوي) والحان (محمد جواد أموري وطالب القره غولي وكوكب حمزة) وغيرهم وغيرهم ، واقارنها بالاغاني التي أستمع إليها في فضائيات الاغاني فأجد الفرق الشاسع بين ما كان وما هو كائن هذه الأيام فأصوات اليوم تخلو من الجمال ومن العذوبة ومن التلوين ، وكلمات اليوم شحيحة في معانيها وساذجة في تركيبها والحانها رتيبة وطابعها واحد واتساءل هل هناك من يتذوقها أو يطرب لها ؟ ربما فئة كبيرة من الشباب لأنهم أمام أسماعهم غيرها إلا نادراً وتتربى ذائقتهم على أساسها .
وفي الفن التشكيلي استذكر اعمال الكبار فائق حسن وجواد سليم وحافظ الدروبي وكاظم حيدر ومحمد غني حكمت وغيرهم وما في لوحاتهم ومنحوتاتهم من ابداع ومن حرفية عالية ومهارة فائقة واشكال والوان متجانسة لا تدل إلا على موهبة متميزة . وهنا أوكد رأيي الخاص هو أن جميع الفنون الجميلة يمكن تعلمّها إلا الفن التشكيلي الذي يعتمد بالدرجة الأولى على الموهبة وتأتي الدربة بالدرجة الثانية فاي انسان يستطيع أن يتعلم العزف على العود أو على الكمان وأي أنسان يستطيع ان يتعلم التمثيل ما دامت المحاكاة غريزة وأي انسان يستطيع تعلم الرقص بأنواعه مادام يعتمد على الحركة والخطوات . وأي انسان يستطيع ان ينظم الشعر اذا كان مهتماً به ومطلعاً على اوزانه وهنا تأتي الموهبة بالدرجة الثانية ، وتبقى العمارة هي الأخرى التي لا يمكن تعلمها لكونها تنتمي إلى فن الرسم . وهنا أذكر رأيي الخاص ان الرسام لا يصبح فناناً بالمعنى الصحيح أن لم يقدر على رسم (البورتريت).
وأعود إلى الفن المسرحي فأستذكر مسرحيات الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي مثل (تموز يقرع الناقوس) لعادل كاظم (والمفتاح) ليوسف العاني (وطنطل) لطه سالم و (السؤال) لمحيي الدين زنكنة (وجيفارا عاد أفتحوا الأبواب) لجليل القيسي (والجنة تفتح أبوابها متأخرة) لفلاح شاكر و(الباب) ليوسف الصائغ وغيرها وغيرها، واستذكر أعمال المخرجين أمثال ابراهيم جلال في (البيك والسايق) وجاسم العبودي في (الحقيقة ماتت) وجعفر السعدي في (يوليوس قيصر) وبدري حسون فريد في (الجرة المحطمة) وسامي عبد الحميد في (ثورة الزنج) ومحسن العزاوي في (نديمكم هذا المساء) وفاضل خليل في (سدرة) وصلاح القصب في (الملك لير) وعوني كرومي في (الكرسي الهزاز) وغيرها وغيرها ، وأقارنها بما يقدم اليوم من مسرحيات يقوم باعدادها المخرجون الجدد عن نصوص لكبار كتاب المسرحية وكأنهم يريدون القول أنهم أكثر أبداعاً من مؤلفيها الاصليين او يدعون بانهم مجددون أو أن اعدادهم لتلك النصوص يتوافق مع متطلبات العصر وطلبات المتلقي. واجد أن نصوص مسرح هذه الأيام تفتقر إلى عناصر الدراما وتفتقر إلى المنطق العقلي والمبرر الفني وفيها كثير من الاجتزاء . وان اخراج المسرحيات هذه الأيام يفتقر إلى الحرفية والتمكن من أسس الأخراج المسرحي أو فقر في معرفتها وتخبط في استخدامها وافتقار الى الرؤى الواضحة وبالطبع هناك استثناءات لهذا الطرح. أقول مع هذا إن المسرح هذه الأيام وخصوصاً في بغداد ترى جمهوره يصفق لجميع العروض المسرحية مهما كان مستواها الفني والفكري وترى النقاد يمتدحون بعضها اما مجاملة او لنقص في الخبرة النقدية ومعايير الفن المسرحي . والسبب ايضاً هو عدم وجود غيرها من العروض المسرحية الرصينة والمتقنة وفي فنياتها وبلاغتها .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram