TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > معاقون.. سياسياً

معاقون.. سياسياً

نشر في: 6 فبراير, 2017: 09:01 م

في تقرير عن معاقي المغرب عرضته احدى القنوات الفضائية شاهدت فتاة فقدت ذراعيها وترسم بقدميها لتعيل اسرتها ونحاتاً كفيفاً يصوّر اشكالاً بديعة من دون ان يراها وعرضاً مسرحياً وموسيقياً يمثل ويغني ويعزف فيه فنانون كفيفون .كانوا جميعا يتحدثون برضى ولا يشوب ملامحهم ألم ، لأنهم وجدوا أكفاً تمسح عن كواهلهم عبء عوقهم وتحتضن ابداعهم وتفتح لهم ابواب الأمل. فالعوق في الدول العربية اقل بكثير مما هو عليه في العراق لأنه ولادي غالبا يرافق الفرد ويعتاد عليه فيصبح جزءاً منه ويجد صاحبه دائما مَن يرعاه ويذلل متاعبه ، اما لدينا فالامر يختلف منذ ان صار الاهل يفرحون بعودة ابنهم سالما من الحرب او من الانفجارات حتى لو فقد ساقاً او ذراعاً او عيناً ..كما ان المعاق لدينا لا يعتاد عوقه طالما كان السبب وراءه فعل فاعل ويظل كسير القلب حزين الملامح حتى لو توفرت لديه فرصة عمل وتزوج وانجب ، ذلك لأن حقدا يغلي في اعماقه ويغذي مأساته كلما تذكر تلك اللحظة التي قادته الى الحرب ليصبح معاقاً ..بفعل فاعل !
قبل أيام ، حضرت ندوة عن النساء المتشردات في العراق وهي شريحة تختلف عن شريحة النساء المتسولات ،اذ تحول التسول مؤخرا الى تجارة رائجة تديرها شركات ويشرف عليها متعهدون وتستخدم فيها كل الوسائل التي كنا نشاهدها في الافلام السينمائية ولا نتخيل يوما انها ستصبح واقعا عراقيا معاشا ..طالبت الناشطات في الندوة بأن تهتم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ومثلها مفوضية حقوق الانسان بشريحة المشردات اللائي يفترشن الشوارع ويلتحفن السماء ويتعرضن للعنف والتحرش ما يشكل وصمة في جبين السياسيين العراقيين الذين يرتضون لنسائهم ان يفقدن المأوى ويتخذن من العراء مساكن لهنّ ..
لكن الوصمة الأكثر تاثيرا حاليا هي تلك الاعداد من الجنود المصابين والمعاقين ممن لا يجدون أية رعاية طبية او اهتماماً من الحكومة التي تحتمي بهم من خطر داعش وتنام قريرة العين في المنطقة الخضراء بينما يقاتل الجنود في اسوأ ظروف جوية ونفسية ليعيدوا الأمن والامان للعراق والعراقيين ..لقد لجا اولئك الجنود الى القنوات الفضائية او وسائل التواصل الاجتماعي ليستجدوا عطف الحكومة لحاجة بعضهم الى العلاج في الخارج او الداخل بما يعينهم على انقاذ ما يمكنهم انقاذه من اعضائهم المتضررة ، فهل اصبحوا ادوات مستهلكة لا طائل منها بعد ان اصابهم عطب يثنيهم عن القتال أم يستحق صمودهم وتضحياتهم بعض الاهتمام من الجهات المسؤولة لاسيما وان اغلبهم سيضيف رقما جديدا الى شريحة المعاقين وسيتضاعف بذلك حجم الألم النفسي والحقد الذي يغلي في اعماقهم كلما تذكروا انهم قدموا الكثير للوطن فلم يجدوا مَن يحفل بهم او يهتم لمأساتهم ..لن يتوقعوا مثلا أن تتبرع احدى النائبات بكلفة عملية شد او نفخ او تجميل لمساعدتهم أو يسحب احد السياسيين من رصيده المتراكم في المصارف الاجنبية ليجري عملية جراحية لاحد جرحى الجيش او الحشد الشعبي رغم انهم يستخدمونهم كورقة انتخابية فيهتفون باسمهم ويتشدقون بتأييدهم ونصرتهم لهم ..وهكذا ، يمكن لأي عراقي أن يفقد طرفا او عينا فيصبح معاقا لا تتعدى احلامه راتب الرعاية الاجتماعية ، لكن الاعاقة الحقيقية التي يعاني منها العراق هي الاعاقة السياسية ، فكل السياسيين لدينا يعانون من عوق يُثنيهم عن مجاراة الركب السياسي العالمي ذلك لأنهم فقدوا اعضاءً مهمة في جسد السياسة كالوطنية والضمير والصدق ..وقبل كل شيء ..الحيـاء..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram