ها أنا اكتشف للمرة الأولى انني مسلم وإرهابي. غير مسموح لي بدخول أميركا. رئيس دولة مجنون يصنف من هو المسلم ومن هو الإرهابي. إنها نكتة القرن الحادي والعشرين، إذا لم تكن نكتة كل الأزمان.
كان من المفترض أن أزور نيويورك الأسبوع القادم. تأخرت حقيقة، عادة أزور نيويورك في كانون الاول من كل عام، أقضي رأس السنة هناك، ثم أعود في منتصف كانون الثاني، تقليد اتبعته في السنوات الأخيرة، المرة الأخيرة اقمت قرابة شهرين هناك، لي أصدقاء عديدون هناك، كتّاب وصحفيون.
هذه المرة كنت فرحاً أكثر للزيارة، فها هو مترجمي الأميركي قد انتهى من ترجمة روايتي "ملائكة الجنوب"، عمل ماراثوني كبير انجزه بيتر (أكثر من 600 صفحة)، أردت الاحتفال معه بالترجمة، ومناقشة مشروعنا القادم، ترجمة "إثم سارة"، رواية جديدة لي، ستصدر في ترجمتها الألمانية، وقبل صدورها باللغة العربية، لا دار نشر عربية ارادت المغامرة بنشر الرواية (قصة سآتي عليها في مناسبة خاصة بها)، ضمن برنامج الزيارة أيضاً زيارة وكيل بيتر الأدبي أندرو ويلي الذي اعجبته الرواية والترجمة، ويخطط لعرضها على دور النشر الأميركية.
كل ذلك علق الآن، ولحسن الحظ علقت الرحلة، لم اعلق أنا كما يعلق الآلاف من المسافرين في المطارات الأميركية وبقية المطارات في العالم، بعد صدور قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب المفاجئ ولم يمر أسبوع على توليه العرش، بمنع دخول مواطني سبع دول بالنسبة له دول راعية للإرهاب! صحيح أنني أملك جوازاً المانياً، لكن مكان الولادة مكتوب في الجواز، ثم هناك فقرة في استمارة الدخول يملأها عادة المسافرون في الطائرة، تطلب بكتابة مكان الولادة بالتفصيل المدينة والبلاد.
لا أريد مناقشة قرار ترامب، لأن الدول الراعية للإرهاب والتي صدرته للعالم طوال العقود الماضية معروفة، 15 من منفذي اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر 2011 هم من السعودية، 4 من الامارات، 1 من مصر، 1 من لبنان. أما العراق ومواطنوه فهم مسحوقون من كل مكان: من الولايات المتحدة الأميركية، من الحكومات العراقية التي تعاقبت بعد 9 نيسان 2003 والتي جاءت على سطح الدبابات الأميركية التي دخلت بغداد، حكومات فاسدة ومرتشية مازالت تجلس على رقاب الناس، ثم داعش التي لابد وان يعرف ترامب من أسّسها وموّلها.
لا أريد الحديث عن الدول الست الباقية، فمواطنوها هم مثل مواطني العراق: هاربون من الإرهاب، وجدوا أنفسهم بحسب ترامب، بأنهم هم أنفسهم مصدر الإرهاب؟
ولكي تزداد السوريالية بمجدها وبصورتها الترامبية المبتذلة: مئات المسيحيين، عراقيين وسوريين، بعضهم حصل على فيزا لأميركا، وكانوا في طريقهم إليها بعد أن قُبلوا كمهاجرين، بل عديد من العراقيين (أعرف بعضهم) تسلم فيزا من السفارة الأميركية في بغداد ضمن برنامج "اصدقاء أميركا"، كل هؤلاء وغيرهم من الذين بقوا معلقين في المطارات، اكتشفوا لمفاجأتهم للمرة الأولى أنهم وبالقوة: مسلمون.. وإرهابيون.
في حوار معه، روى الروائي الإيطالي بريمو ليفي كيف أنه اكتشف للمرة الأولى بأنه يهودي وهو يجلس في مقهى في فيينا ذات نهار، سمع فرماناً لهتلر في الراديو يمنع اليهود من الجلوس في الأماكن العامة.
وأنا ؟ غادرت العراق إلى المنفى قبل ستة وثلاثين عاماً هرباً من ديكتاتورية صدام حسين وحربه وإيران، زورت نصف أوراقي الرسمية آنذاك، حتى وصلت بأعجوبة إلى المانيا، درست في جامعة هامبورغ، وخلال دراستي الجامعية انتهى جواز سفري العراقي عام 1982، بعد أن أُسقطت عني سلفاً الجنسية العراقية بصفتي هارب من خدمة العلم، معارضاً لديكتاتورية البعث، قدمت بعدها على اللجوء السياسي، وحصلت عليه بأعجوبة (جلست في سجن الترحيل مرتين) عام 1984، سبع سنوات وأنا أحمل صفة "بدون جنسية"، في آذار 1991 حصلت على الجنسية الألمانية، منذ ستة وعشرين عاماً وأنا مواطن الماني، حتى عندما أسافر إلى العراق، أحمل فيزا دخول مختومة من السفارة العراقية في برلين، آخرها مؤرخة في 16تشرين الثاني2016، والآن يريد رئيس غريب الأطوار اسمه دونالد ترامب أن يلغي مواطنتي هذه بشخطة قلم، رئيس لا يريد أن يفرض عليّ ديناً وحسب، بل يصنفني ارهابياً أيضاً، رئيس صحيح أنه رئيس منتخب، لكن مكانه الحقيقي ليس البيت الأبيض في واشنطن، بل مصحة عقلية في مكان ما، أو في أحسن الأحوال رئيس يريد التفوق على كل الديكتاتوريين الذين سبقوه من قبل. ومثلما لم يعرف ترامب، أن هناك محاكم ودستورا في أميركا، إلا بعد أن يصدر فرمانته الديكتاتورية، فإنه لا يعرف، أن جميع الديكتاتوريين الذين سبقوه، وعلى رأسهم الديكتاتور الذي دمغ بريمو ليفي باليهودية، رغماً على الأنف، أن الديكتاتوريين هؤلاء، انتهوا إلى مزابل التاريخ. جميعهم. الرئيس الأميركي دونالد ترامب في نهايته ... لن يكون الديكتاتور الاستثناء!
يُنشر العمود بالتزامن مع نشره في الصحيفة الألمانية "زوددويتشه تزايتزنغ"
فيما خصَّ سوريالية ترامب.. المبتذلة
[post-views]
نشر في: 7 فبراير, 2017: 09:01 م