ترك تصريح وزير الشباب والرياضة يوم أمس الأول الإثنين الكثير من الأسئلة الملحّة الخاصة بمصير الملعب نفسه وحالته التي لا تسرّ الشعب الذي يرى فيه أحد أسرار وحدته الحقيقية والتئام شمل شرائحه الاجتماعية فوق مدرجاته بعيداً عن ضغوطات الحياة والمصاعب والمنغّصات المارّة بتاريخ بلدنا منذ إنشائه عام 1966 حتى يومنا هذا.
الوزير عبطان يعيدنا إلى المربع الأول، وكأن العراق ينفض غبار حرب 2003 تواً ، بقوله "إن ملعب الشعب بحاجة الى عمل كبير وأموال كثيرة وإن الوزارة تعاني من أزمة مالية كبقية الوزارات، إلا أنها تبذل كل ما في وسعها لإدامة أرضية ومنشآت الملعب لما يمثله من أهمية كبيرة للرياضة العراقية كونه يعتبر الملعب الوحيد في بغداد بسعة جماهيرية كبيرة ومطابقاً لمواصفات الاتحاد الدولي لكرة القدم " ! انتهى تصريح الوزير ، وأكرر منه عبارة (عمل كبير وأموال كثيرة )، هكذا يصف حاجة ملعب الشعب اليوم بعد مرور 14 عاماً على تغيير النظام في المؤسسات العراقية، معنى ذلك أن الوزارة بدلالة تصريح مسؤولها الأول يجب أن تخضع الى المساءلة من أجهزة الرقابة للتحرّي بشفافية تامة عن مصير الأموال الطائلة التي تجاوزت 7 ملايين دولار بحسب مبادرتين فقط لم تزل أوراقهما الرسمية محفوظة لدى الحكومة مع المستندات وآليات الصرف وتعهدات الضمان بسلامة العمل المُنجز والأشخاص المساهمين في التنفيذ ومجموع المبالغ المقبوضة ! علماً انه لا توجد أرقام مُعلن عنها رسمياً أو عبر وسائل الإعلام تبيّن حجم الإنفاق الكلي على منشأة بقيمة ملعب الشعب الدولي تشترك في مسؤوليته ثلاث حقب لوزارة الشباب والرياضة تناوب عليها علي فائق الغبان وجاسم محمد جعفر وعبدالحسين عبطان.
المبادرة الأولى كانت في 8 نيسان 2004 حين منح الأمريكي بول بريمر رئيس الإدارة المدنية للإشراف على إعادة إعمار العراق أحمد الحجيّة ،الرئيس السابق للّجنة الأولمبية الوطنية" ثلاثة ملايين دولار لزراعة ملعب الشعب الدولي بالنجيل الأجنبي والذي تكفّلت إحدى الشركات بإنجازه، وأعادت الحياة إلى الملعب بعد ان كان خرباً بفعل القذائف التي دمّرت أجزاءً منه فضلاً عن عبث السرّاق بمرافقه في فترة الفوضى التي شهدتها البلاد أواخر آذار من العام نفسه.
وجاءت المبادرة الثانية في 28 تشرين الأول 2009 بمنحة أيضاً من نيجيرفان بارزاني رئيس حكومة إقليم كردستان الذي خصص ثلاثة ملايين و966 ألف دولار لدعم الرياضة العراقية عامة وملعب الشعب خاصة ، واتخذ الحكم الدولي السابق فلاح منفي على عاتقه تأهيل الملعب بالكامل كونه يعمل مديراً ووكيل شركة (كلوبل سبورت) الانكليزية المتخصصة ببناء وترميم ملاعب كرة القدم العالمية، وتم استيراد نجيل خاص للملعب من السويد لمساحة 8000 متر مربع مع نصب 40 ألف كرسي وغيرها من الملحقات التي أثارت أعجاب الجمهور لما بدا عليه الملعب من جمال ورصانة في جميع مفاصله.
لاحظوا أن توالي الشركات المعنيّة بإعمار ملعب الشعب تعيد زراعة أرضيته بالنجيل الأجنبي الذي استنزف أموالاً كبيرة من منحتي بريمر وبارزاني ، أضف الى ذلك المبالغ المخصصة للوزارة من عام 2009 الى عام 2016 بذريعة تأهيل الملعب أكثر من مرة مع تبدّل إدارته وملاكاتها حسب الحقبة الوزارية وما يلحقه ذلك من ضرر يربك المنظومة الإدارية والهندسية والفنية المعنية بإدارة المنشأة.
إلى متى يبقى ملعب الشعب بحاجة إلى مبالغ طائلة لإعماره وربما إضافة ملحقات جديدة هو بحاجة لها، علاوة على صيانته الدورية، وما موقف الحكومة من صرح تأريخي بقي صامداً 51 عاماً بحيث لو احسنت الوزارة استثمار تلك المبالغ لتم بناء أفضل ملعب وسط العاصمة يضاهي ملاعب دول الجوار لا أن يبقى (الشعب) يتلقى مُنح الحكومة ومعونة الغرباء ولم ينفض غبار معاناته البائنة بعد انتهاء كل مباراة !
يجب ان يتوقف هدر الأموال على منشأة رياضية يتخذها البعض وسيلة للتجميل الموسمي بمساحيق رديئة تكلّف خزينة الحكومة ملايين الدنانير، والجميع يعلم أن ريع مباراة واحدة يحقق 100 مليون دينار إذا ما أخذنا حساب سعر التذكرة ( 5000 دينار × 20 الف مشجع) ، ولهذا نطالب الجهات الرقابية أن تضع يدها لحجز المنشأة وإجراء التحقيق المباشر والمفصلي لكل سجلاتها ومحاسبة المتصرّفين بأموالها دون ضوابط وإحالة المتورّطين في شبهات فساد إن وجدوا إلى القضاء لإنهاء قصّة سوء أرضيته وتآكل أساسات بنيانه، والمشكلة الأكبر التي لم ترفّ لها أجفان مسؤولي الرياضة المتعاقبين منذ خمسة عقود هي حاجة المدرجات المقابلة للمقصورة الى مسقّفات تحمي الجماهير الوفية من تقلّبات المناخ في الصيف والشتاء.
ملعب الشعب رهن الحجز
[post-views]
نشر في: 7 فبراير, 2017: 04:00 م