TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > حكومة (صعده بالبدي)

حكومة (صعده بالبدي)

نشر في: 7 فبراير, 2017: 09:01 م

لا أريد ان اتحدث عن تفجير محال بيع الآلات الموسيقية في البصرة القديمة، ولن اتهم احداً، فما أنا بالمجنون، أو ممن يعرّضون اعناقهم للنطع، عقب كل حادث أمني، ولن أقول شيئاً عن الذين يقتلون ويخطفون ويبتزون، فالحكومة تعرفهم واحداً واحداً، مثلما يعرفهم الناس، ولن اتحدث عن سوء الخدمات وانعدام الأمن والفلتان المروري وخروج البصرة نهائيا من كونها مدينة زراعية، كما ان الحديث عن التلوث البيئي لم يعد مجدياً، إذْ ما معنى التلوث إذا كانت الحكومة هي من يضخ ملايين المترات المكعبة في نهر العشار لترسله الى شط العرب وليأخذه الجزر الى محطة تصفية
البراضعية ماء ملوثاً، مسرطِناً خايساً، ولن اتطرق الى مئات السفن الغارقة في شط العرب ومدخل الخليج، فهذه قضية باتت مملة جداً، اما بناء المدراس ومستوى التعليم والصحة وارتفاع معدلات الفقر وطفح المجاري وضياع المليارات فقضايا
خارج اهتمام الحكومة بكل تأكيد. ثم ما ذا يعني أنك تكتب ولا احد يقرأ، لا أحد في المبنى الحكومي يتنبه لك، وكأنك تسمعها صريحة منهم: أكتبْ ما شئت، نحن لا نقرأ، ولا نسمع
ولا نرى.
   من يسمع بمحال بيع آلات الموسيقى، من غير البصريين والعرب، فسيتبادر الى ذهنه انها محال، واسعة، تعجُّ وتضجُّ بمئات الآلات الموسيقية، وهي نظيفة ومرتبة وفيها ما فيها من الأراغن والكمنجات والأعواد والكونترباصات وغيرها، لا، هي ليست كذلك، أبداً، فأصحابها من الذين لم يجدوا من بين فرص الحياة المعطاة لغيرهم فرصة يعيلوا بها أسرهم، هم يبعيون أو يستأجر الناس منهم  الدفوف والأبواق والأعواد المصنوعة محلياً، الآلات التي يستخدمها الصبيان في مناسبات الأعياد والمناسبات الوطنية لا اكثر، ومحالهم مبنية بالاسمنت والطابوق والصفيح المستعمل لذا فهي بسيطة وصغيرة، متراصة وبالكاد، تؤمن لهم لقمة العيش، اللقمة التي سرقتها الحكومة واحزابها وأقطابها وأصحاب المال والسلاح فيها
 منهم.
  يُخطئ من يتهم احداً بحوادث القتل والتفجير، التي تحدث في المدينة التي يتعرض لها الفنانون
 والصحفيون وأصحاب محال بيع الخمور والآلات الموسيقية وسواهم من الأبرياء، وممن يسكنون قاع المدينة، أبداً، لا عصابات ولا مليشيات ولا قاعدة ولا هم يحزنون في البصرة. هي الحكومة التي تشرعن للبعض منهم، وتمنح الاشارة الخضراء لذوي النفوس المظلمة، فهي ومنذ انْ أصدرت قرارها -سيئ الصيت- بمنع بيع وتداول الخمور والى اليوم، تتحمل وزر الذين قُتلوا واستبيحت دماؤهم في المدينة، وهي منذ
إصرارها على إظهار تشكيلتها ذات الصبغة احادية الطائفة، سمحت بمقاتل الناس خارج الطائفة هذه.
 فهي لم تُشعر احداً أبداً، على انها تقوم على معاملة مواطنيها بعيداً عن الانحياز والميل، فقد ظلت على صبغتها هذه، في الشارع والسوق والدائرة والمدرسة، الأمر الذي أعطى الرسالة واضحة لكل ذي نفس مظلمة للقيام بافعال القتل والتفجير. ولو انها أصدرت أمراً بالسماح لأصحاب بيع الآلات الموسيقية وبموجب اجازات عمل، وثقّفت بما يوحي على أن افعالا
كهذه، لا ضير فيها، وهي مما يسمح بها من قبل الحكومة، وبموجب القانون، وانها تمنح الحياة نسغاً صاعداً الى ما يساعد الناس على تحمل اعبائها، لكانت قد سحبت البساط من تحت أقدام هؤلاء، ولحقنّا الدم وضمنّا الحياة والمال والطمأنينة، لكنها ظلت تتناغم مع توجهات هؤلاء وتتعاطي أفكارهم بشكل واضح وصريح. الحكومة هي ذاتها صاحبة القولة الشهيرة :
 (صعده بالبدي).

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. ناظر لطيف

    عندما تؤثر كتاباتك عليهم سوف تبدأ المعركة عليك، احييك على مقالك

يحدث الآن

عمليات بغداد تغلق 208 كور صهر و118 معمل طابوق وإسفلت

أسعار الصرف اليوم: 143 ألف دينار لكل 100 دولار

ترامب: أوقفتُ 8 حروب وأعدتُ "السلام" للشرق الأوسط

الأنواء الجوية: انتهاء حالة عدم الاستقرار وطقس صحو مع ارتفاع طفيف بالحرارة

حصار فنزويلا ينعش النفط… برنت وغرب تكساس يقفزان في آسيا

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram