نحو كيلومترين اثنين هي المسافة الفاصلة بين سوق المدينة في منطقة الشعب وحي الجزائر، اذ تستفيق السوق المكتظة على موعد صباحي متجدد مع اصطفاف طوابير سيارات "الجيب / الواز" المترامية على جانبي الطريق، عشر مركبات أو تزيد قليلاً، مهمتها إيصال المواطنين إلى
نحو كيلومترين اثنين هي المسافة الفاصلة بين سوق المدينة في منطقة الشعب وحي الجزائر، اذ تستفيق السوق المكتظة على موعد صباحي متجدد مع اصطفاف طوابير سيارات "الجيب / الواز" المترامية على جانبي الطريق، عشر مركبات أو تزيد قليلاً، مهمتها إيصال المواطنين إلى أقصى نقطة من الحي الشعبي "الجزائر" كوسيلة لكسب لرزق، في مشهد يعيد للذاكرة حربين ضروسين ألقيا حملهما آلافاً من سيارات "الجيب / والواز" الروسية في جعبة مخازن وزارة الدفاع لتباع على المواطنين في مزادات الخردة عامة.طبيعة مقاعد سيارة "الجيب" انها متقابلة ما يتيح إجراء المحادثات وجهاً لوجه والتي لا تخلو في كثير من الأحيان من الفنتازيا والحديث عن الحب والحرب، مقعدان أماميان ومقعدان متقابلان يجلس على كل منهما أربعة أشخاص، وقد يقف في كثير من الأحيان شخصان أو ثلاثة على حافة الجيب الخلفية، فيصبح العدد 12 راكباً، يتبادلون شتى أطراف الحديث، وهذه الأحاديث تشبه إلى حد كبير هيئة "الجيب الواز" التي يراها كثيرون مضحكة ومجرد رؤيتها تعيد مشاهد مؤلمة في الذاكرة العراقية التي اكتوت بنار الحروب. (علي محمد) ، شاب عشريني ، سائق لإحدى سيارات "الجيب" قال في حديث لـ(المدى): مرت 8 سنوات وأنا اعمل في هذا الخط، وكثيرون يفضّلون "الجيب" للتنقل كونها سريعة ويراها البعض مريحة وتناسب ذوي الدخل المحدود والفقراء. متابعاً: فأجرة التوصيل لا تتعدى الـ(500) دينار ما يغنيه عن استئجار التاكسي ذي الأجور المرتفعة. موضحا: ان العمل يقاس على كثافة عدد الركاب ونوعية الطقس، ففي موسم الأمطار يكون الرزق وفيراً ويصل مردود العمل إلى أكثر من (60) ألف دينار وفي الأيام الاعتيادية يصل إلى نحو (20) ألف دينار. طبيعة شوارع المدينة المتعرجة والمتكسرة وخصوصاً في موسم الأمطار جعلت "الجيب واز" تؤدي دور المنقذ لمتانتها واستطاعتها مقاومة أي مناخ وتحدي كل حفر وطسات الشوارع.
(كرار مؤيد) ،سائق إحدى سيارات "الجيب واز" العاملة على خط الشعب / الجزائر، تحدث لـ(المدى) عن ضوابط يرعاها قائمون على هذه الخطوط، يجب على أصحاب سيارات الخط الذي يعمل فيه اتّباعها، وفي حال الامتناع عن تأديتها فعليه مواجهة المتاعب، التي تصل إلى حد الإيذاء الجسدي، لافتاً: كنت اعمل في محل صغير لم يكن يدر عليَّ أرباحاً تمكنني من مواجهة الحياة، فاستدنت مبلغاً من المال لأقتني سيارة "الجيب واز"، دهشت أنه كان عليَّ شراء مكان الخط أيضاً الذي يباع بمبلغ 3 إلى 4 ملايين دينار، وإلا البحث عن مكان عمل آخر او خط سير ثان، كاشفاً عن مافيات تسيطر على معظم خطوط المركبات، في معزل عن أعين الدولة ووزارة النقل وخاصة هيئة النقل العام.
بينما يرى المواطن حيدر حياوي في سيارات "الجيب واز" بأنها تفتقد للسلامة وينبغي على المسؤولين الحكوميين إيجاد بدائل أخرى أكثر أمناً وسلامة ، فيما تروي الحاجة أم قاسم لـ(المدى) موقفاً حصل معها وهي تستقل مركبة "الجيب واز" قائلة: انزلقت قدماي وأنا انوي النزول منها عندما وصلت إلى وجهتي ، فسقطت أرضاً كوني لست معتادة على هذا النوع من سيارات الأجرة، مستغربة من وجودها بين المدن العراقية وهي آلية عسكرية مخصصة لنقل الجنود، وتضيف أم قاسم : موقف آخر كاد يتسبب في دهس طفل كان يلهو في باحة المنزل، فعندما كنا ننتظر اكتمال مقاعد السيارة من الأشخاص، كانت ثمة امرأة وطفل جالسين في المقعد الأمامي بجانب السائق الذي بدوره أدار مفتاح المركبة للتهيؤ قبل الانطلاق. مستطردة: فما كان من الطفل الجالس بجوار السائق إلا أن يضغط على مكابح العجلة والسائق عنه في غفلة، حتى سارت بنا متجهة نحو سياج البيت الأمامي. مستدركة: لكن عناية الله أنقذت الطفل الذي كان يلهو قرب السياج من موت محقّق، بعد تدخل السائق السريع ونجاحه في إيقاف العجلة. في بداية الموسم الدراسي ، قد يضطر الطلاب من كلا الجنسين الى اعتماد "الجيب" واسطة نقل تقلّهم لعدم وجود خطوط شاغرة في سيارات "الكيا" وفي كثير من الأحيان تتسبب بقايا الحديد الصغيرة في سيارة "الجيب" في تمزيق بنطال بعض الطلبة أو تعرضها للتلف بسبب اتساخ المقاعد. ومنهم ما حدث مع الطالب هيثم كريم ذات صباح وهو يهم الذهاب الى كليته، حيث استقل سيارة الجيب مدشناً بنطلوناً جديد وصله هدية من احد اقربائه، لكن فرحة هيثم بالبنطلون لم تدم الا دقائق حين سقط ضحية لبقايا شظية حديدية متفرعة من مقعد الجيب.
فيما بيّن المواطن (أحمد المهداوي) ،صاحب محل للمواد الاحتياطية، انه في الآونة الأخيرة عمد أكثر مقتني سيارات "الجيب واز" إلى إجراء تعديلات من حيث المحرك وناقل السرعة الأوتوماتيكي، لتكون أكثر ملاءمة ، ما فاقم أسعار المحركات بعدما كانت مقتصرة على نوعيات محددة من المركبات.
ولا يقتصر أمر مواقف تلك "الجيبات" على مدينة الشعب، فهناك منها أيضاً في مدينة الصدر وفي الجوادر والقيارة وحي أور وأم الكبر والغزلان والشيشان وسوق الـ4000 في مدينة الشعب ومنطقة جميلة الصناعية، وفي محافظات عراقية كثيرة منها الزبير في محافظة البصرة، وتتعدد أسماؤها محلياً فسميت (بأم الخبزة ، والزوية ، والطيارة).