علي حسن الفوازصناعة الدولة العراقية الجديدة تضع نفسها امام افق تاريخي جديد، ليس لان هذه الصناعة هي مغامرة ازاء تاريخ طويل من(اللادولة) بقدر ماهي فاعلية تاريخية تستدعي الكثير من الوعي والمسؤوليات، فضلا عن ان تبدي هذه الظاهرة يفترض وجود بيئة حقيقية تسهم في انتاج(شروط)الدولة،
ناهيك عن وجود القوى السياسية والمجتمعية التي تؤمن بضرورة ولادة الدولة التي يمكن ان تقطع الطريق على منتجي اللادولة من ان يستعيدوا قواهم القديمة عبر صناعة مضادة لمراكز قهرية وعصابية تعيدنا الى ذاكرة الاستبداد القديم.ومع اقتراب الانتخابات البرلمانية العراقية، اخذ الحديث عن الاشكالات السياسية وسيرورات بناء الدولة الوطنية اتجاهات متعددة، تلك التي ترتبط بتاريخية الازمات القديمة، وتاريخية القوى القهرية التي تحاول تعويق صناعة هذه الدولة على وفق الشروط الانسانية التي تؤمن بالتعدد والشراكة والحقوق العامة، ناهيك عن بروز الازمات الجانبية التي تتعلق بهذه الاشكالات، وبمصطلح الدولة مفهوما واجراء. ولعل السؤال الابرز يتعلق بمن يشارك في هذه الانتخابات، ومن له الحق الوطني والتاريخي والدستوري في ممارسة فاعلية المشاركة، وبالطريقة التي تعزل أي نازع قهري لاعادة انتاج الدولة القديمة، الدولة بمعناها(السلطتي) تلك التي حوّلت العراق الى(مؤسسة امنية) او(دولة سرية)كما سمّاها البعض والى بلاد لتفريخ المحاربين والمعارضين والمنفيين. هذه الدولة لم تعد مقبولة في السياق، ولم تعد مقبولة في التاريخ الجديد. مثلما لم تعد مقبولة ازاء صعود قوى جديدة تنوعت مرجعياتها واتجاهاتها وتنوعت انتماءاتها.تعدد هذه القوى اصبح لازما لسيرورة الدولة الجديدة، ولهوية المجتمع الجديد، فضلا عن الظهورالواضح للخاصية المدنية التي بدأت تتعزز داخل المناخ السياسي والاجتماعي الجديد، وهذا التشكّل بطبيعة الحال سيتحول الى قوة طاردة للاشكال القديمة، بدءا من الشكل الامني للسلطة، وانتهاء بالطبيعة الواحدية الديكتاتورية التي كانت تحكم الدولة والمجتمع، لذا فان اية محاولة لاعادة انتاج تمظهرات الدولة القديمة يعني اعادة انتاج الديكتاتورية والشوفينية والواحدية والحروب والازمات التي تقمع التعدد في الدولة والمجتمع، وتمنع ايضا اية نزعة للتداول السلمي للسلطة، أي ان صناعة الدولة ستكون مهددة دائما بالانقلاب والعنف والارهاب واعادة اللون الواحد للهيمنة. ومن هنا نجد ان الحديث عن الدولة وعن هويتها وتوصيف بيئتها الجديدة بقطع النظر عن الموقف من هذه القوى او تلك، يرتبط بالحديث عن مظاهر وجود هذه الدولة ومصادر ديمومتها وقدرتها على مواجهة تحديات الانتهاك والترجيع التي مازالت اجنداتها فاعلة وتملك للاسف العديد من المرجعيات في الداخل وفي دول الاقليم العربي والاسلامي.ولعل حديث الانتخابات باعتبارها واحدة من مظاهر الديمقراطية في هذه الدولة، يمثل المنطلق الذي يعزز سيرورة الدولة وهويتها، وتجاوزها لعقدة المركز القديم، مثلما هي التعبير الحقيقي عن مفهوم التعدد وبناء الاسس التي تفعّل دور المجتمع في بناء مشروعية الدولة العادلة الراشدة التي تحمي التنوع في المجتمع وتحمي الحقوق العامة والخاصة وتمنع اية محاولة لقهر الجماعات داخل مفهوم عنفي او ارغامي للسلطة..لذا ليس غريبا ان يتحدث الكثيرون عن الدولة الجديدة باتجاهات شتى، والاكثر منهم من يتحدث عن الديمقراطية والحرية والمجتمع المدني والحقوق السياسية ومواصفات الحكومة والامن والسياسة وغيرها من المصطلحات التي باتت رائجة في الاعلام السياسي، خاصة عند بعض الساسة او عند محللي التلفزيون الستراتيجيين كما تسميهم عناوينهم!! لكن هذه الكثرة لم تتحدث كثيرا عن اهمية ثقافة الدولة وضرورة معرفة اسس بنائها وضرورة صناعة(البيئات)الثقافية والتشريعية التي تؤطر مفهوم الدولة وتعطي لمواطنها الجديد هوية الوجود والتوصيف والفاعلية والحقوق، خاصة وان الدولة الوطنية العراقية تملك تاريخا صادما من الازمات والانقلابات والصراعات التي جعلت مفهوم الدولة غائما او مائعا وعائما على سلسلة طويلة من التعقيدات والصراعات وطاردا للوجود والحقوق.معرفة الكيفية التي تبنى بها الدولة وتطهيرها من امراضها القديمة ومنع تلك القوى التي من شأنها ان تعيد انتاج امراض الدولة الامنية السرية القمعية، يرتبط بالكيفيات التي تضع الاسس القانونية والدستورية والثقافية وحتى السياسية التي تحمي مشروع الدولة، وتدرك ان التهاون في هذا الاجراء يعني الابقاء على المناطق الهشة التي يمكن من خلالها ان تتسرب هذه القوى وتعيد صناعة العنف بمعناه الشوفيني والانقلابي تحت واجهات مائعة للديمقراطية والحقوق السياسية، خاصة وان الكثير من هذه القوى لها حاضنات عربية واقليمية ودولية تسعى بكل الوسائل والضغوط لاعاقة انتاج الدولة الوطنية بمعناها الاخلاقي التطهيري، العمل على ابقاء اصحاب(حصان طروادة)داخل حصن الدولة لتهديدها باستمرار..ان التوافر على وعي اهمية الدقة العلمية في استخدام وتداول وتسويق ثقافة المصطلح او ثقافة مفهوم الدولة يرتبط في هذا السياق بالكيفية التي ينبغي ان تدار بها في اطار فاعليات انتاج الدولة، وبعيدا عما هو خارج الدولة من اوهام وعقد وحسا
الانتخابات وصناعة الدولة الجديدة
نشر في: 13 فبراير, 2010: 05:18 م