TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > "بزازين" العدالة الانتقالية

"بزازين" العدالة الانتقالية

نشر في: 10 فبراير, 2017: 09:01 م

الاجتثاث مفردة شاع استخدامها في العراق بعد الغزو الأميركي ، حتى أصبحت مصطلحاً  متداولاً بين الأوساط السياسية والشعبية ، يعبر عن رغبة مع إصرار على إلغاء مظاهر قديمة مهما كان شكلها تعرقل تحقيق نسخة العراق الديمقراطية .
الغزو الأميركي أفرز ثلاثة نماذج احتلت المشهد العراقي ، الأول مسؤول شغل منصبه عبر بوابة المحاصصة ، والثاني نائب من أبناء القائمة المغلقة ، والثالث منح صفة قائد عسكري بطريقة الدمج ، ليتولى مع الآخرين من صنفه مسؤولية إدارة الملف الأمني .النماذج الثلاثة حققت حضورها في المشهد العراقي بفضل الاحتلال الأميركي ،فرسخت وجودها ووسعت نشاطها الجماهيري ، وخاضت صراعاً مع الآخرين من اجل البقاء ، ولها كل الحق في ذلك ، للحفاظ على مكتسباتها ومصالحها ، فهي تدعي وتزعم بأنها حررت العراقيين من نظام ديكتاتوري ، ونقلتهم الى الديمقراطية ، وتجاهلت الفضل الأميركي ، وأخذت تعلن بأن احتلال الولايات المتحدة للعراق ، أعاده الى العصور الحجرية. اول النماذج شغل منصبه الوزاري وتفرغ لتجارته في استيراد الجكاير ، النموذج الثاني ، مشرع القوانين ، بعد ان ضمن لعائلته المقيمة في الخارج منزلاً فخماً ، ودخلاً شهرياً ثابتاً ، وعين الأبناء في السفارات العراقية في دول أوروبية ، تفرغ لتحقيق رسالته في الإصلاح الاجتماعي عن طريق الزيجات المتعددة ورعاية الأيتام والأرامل ، اما النموذج الثالث صاحب الرتبة العسكرية ، والمعروف عنه ان اسمه لم يرد في سجلات التجانيد ، فمهمته الدفاع عن شرف الأمة ، وملاحقة الإرهابيين ، ثم الظهور على شاشات الفضائيات ليعلن تحقيق النصر الكبير.
الاجتثاث طال البعثيين  كجزء من متطلبات تحقيق  العدالة الانتقالية  بحسب ادعاءات ومزاعم المهيمنين على المشهد السياسي ، ثم انتقل الى الإرهابيين لضمان استقرار الأوضاع الأمنية . هناك نوع آخر من الاجتثاث  استهدف الغناء والموسيقى ، وتحريم النحت والرسم والتمثيل لأنها رجس من عمل  الشيطان ، حفاظاً على السلامة الفكرية لأبناء المجتمع وخاصة  شريحة الشباب . في هذه الأجواء الاجتثاثية ،  برزت دعوات لرفع  صور زعماء سياسيين وشخصيات دينية  انتشرت في شوارع العاصمة  بغداد  والمحافظات ، تبنتها منظمات المجتمع المدني وأوساط إعلامية  ، لكن دعواتهم  لم تحرك ساكناً فبقيت الصور تحت المراقبة خشية تعرضها للتشوية .   
في شهر تموز من عام 2015 ،  تعرض صاحب عربانة لبيع اللبلبي في حي الجهاد بجانب الكرخ للاعتقال،  لأنه  وضع  عربته قرب صورة تعرضت لأضرار من قبل مجهولين ،  والرجل  يحمل شهادة جامعية ، لم يسعفه الحظ في الحصول على وظيفة حكومية ، وبعد أن أمضى أسبوعين في التوقيف ،  قرر  التخلي عن "بيع اللبلبي" لاتهامه بتوفير" المزة " لشاربي المنكر وعدم احترامه  صاحب الصورة ،   واتجه لبيع "الشلغم " فشارك هو الآخر في الحملة الاجتثاثية   بإقصاء الحمص من المشهد  بوصفه من أسلحة الدمار الشامل .
الاجتثاث علامة عراقية فارقة ، تعكس جانباً من الصراع السياسي للسيطرة على السلطة ، تمظهر بجداريات  تحمل صور شخصيات  لرموز قوى متنفذة  ، بطريقة مطاردة الفئران  بصورة البزون  لتحقيق العدالة الانتقالية ، ورحم الله المطرب المصري الراحل عبد الحليم حافظ حين قال "كلنا عندنا صورة" .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. أبو أثير

    في عهد النظام الدكتاتوري خرجت وبرزت حالة للشارع العراقي والرأي العام العراقي والمحلي ... وهي حملة لصيد وألقضاء على البزازين أي القطط لحملها فيروس مرض معدي في حينها يعدي ويصيب ألأطفال الصغار .. وترأست الحملة وقادتها مديرية البيطرة العامة التابعة لوزارة ال

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram