واضح أن معظم شاشات الأل سي دي المنصوبة في العيادات الطبية، بمدن الوسط والجنوب العراقيَيَن مفتوحة على القنوات الدينية، في توسل بالشفاء والمعافاة ودرء خطر المرض، وواضح أن المرضى في العيادات هذه يقومون بتقديم الصدقات للشحاذين الذين وجدوا في العيادات هذه المرتع الخصب لهم-المفارقة إن الشحاذين أغنى من المرضى- وواضح أيضاً أننا لن نعثر في صفحات غالبية الاطباء على الفيسبوك الى ما يشير الى بحث طبي، او منجز ما، او ترجمة لنشرة طبية ماخذوة من إحد المراكز البحثية العالمية، وقد تأكدت بنفسي من إدمان العديد منهم على نشر الادعية المأثورة والمعلومات التاريخية الرخيصة في صفحاتهم الشخصية، في تعمية وتجهيل يكشفان حقيقة التردي الحاصل في أدق مفاصل الحياة عندنا.
في مدينة مثل البصرة حيث يظن سكان مدن الناصرية والعمارة والسماوة وغيرها بان أطباء البصرة هم الأفضل من بين اطباء الجنوب، بعدما صار بناء مستشفى مركزا طبياً، مجمع عيادات واحدا من مطامح المستثمرين، ولأجل ذلك فقد اكلت المستشفيات الخاصة والعيادات والمختبرات الأرض في مركز المدينة، وزحفت على معظم الدور السكنية والمحال التجارية في ضواحي مثل الجزائر وبريهة والسعدي والمناوي وغيرها، وحوّلتها الى الوجهة الجديدة هذه، وهذا من الناحية العملية شيء يصب في مصلحة الواقع الصحي، إلا اننا نجد أنَّ الزحف هذا لا يتساوق مع صحة الناس ومعافاتهم، هل نقول باننا شعب مريض؟ هكذا يبدو الأمر.
يحدثني جاري الطبيب الاختصاص بالأمراض الجلدية عن زيارات شبه يومية يقوم بها تجّار وممثلو شركات الأدوية لعيادته وعيادات الأطباء، وكيف يُعرض عليه صرف هذا الدواء وذاك العقار مقابل نسبة من المال، ثم يحدثني عن نسبة كبيرة من الأطباء ممن قبلوا ويقبلون بالعروض هذه، وغير خاف أن الأدوية التي يتم صرفها هنا، هي إما غير فعالة او تشوبها شائبة ما، وبذلك يكون المريض قد خضع لإبتزاز في صحته وماله. ومثل القصة هذه نسمع قصصا اكثر غرابة، إذ ان المكاتب التي تعلن عن رحلات العلاج في إيران والهند وأربيل والاردن تمنحنا الوردي من التخيلات لكنها تضمر وتخفي ما هو أقسى وأمرّ.
وغير خافٍ على احد أن كل طبيب في مدن العراق أجمعها ، إنما يتعامل مع صيدليته الخاصة ومختبره الخاص، ممن يأتمن ويجد فيه الكفاءة، لكن، وفي جانب من القضية هناك تعاون مالي مشترك، لذا هم شركاء مهنة ومنتفعو مال، هذا إذا احسنا الظن، ولم نقل بان التعاون هذا لا يعني صحة المريض، قدر عنايته بجيوب هؤلاء، ومعلوم أيضاً ان معظم الذين يزورون العيادات هذه، هم من طبقة الفقراء وكبار السن ومن الذين يتقاضون رواتب الرعاية الاجتماعية، فهؤلاء الأكثر عرضة للمرض من غيرهم، اولئك الذين ينتظرون مواعيد صرفها ساعة بساعة، لكي ينفقوا راتبهم بمراجعة واحدة، لا أكثر، ومعلوم كذلك أن ميسوري الحال من موظفي الدولة الكبار لا يزورون العيادات هذه، فهم يتلقون العلاج في الخارج، على نفقتهم الخاصة او على نفقة الدولة.
مؤلم قولنا إن غالبية الأطباء العراقيين اكتفوا بمعالجة مرضاهم بما متيسر لديهم من معلومات حسب، دونما سعي في بحث، دونما اكتشاف لجهاز او لنوع من العقار، في وقت يتحدث الجميع فيه عن ارتفاع نسبة الاصابات بالامراض السرطانية مثلاً، او أن الدواء في الصيدليات العراقية غير فعال، فضلا عن التكلفة الخيالية للعلاج.
التداوي بالأدعية والصدقات
[post-views]
نشر في: 11 فبراير, 2017: 09:01 م