adnan.h@almadapaper.net
منذ أن انطلقت حركة السفور في العراق في الثلاثينيات من القرن الماضي كانت النساء السافرات يتجوّلنَ بحرية في المدن التي توصف الآن بأنها مقدسة، كالنجف وكربلاء وسامراء والكاظمية، لكنّهنَّ كنَّ يحرصن على التحجّب عندما يدخلن إلى المراقد المقدسة للزيارة والتبرّك.
هذا أمر معروف، ومعروف كذلك أنه لم يحصل أن قامت امرأة سافرة بانتهاك حرمة أيّ من هذه المراقد المقدسة بالدخول إليه من دون حجاب. ظلّت هذه الحرمة مرعيّة كل الرعاية ومصونة كل الصون من جانب السافرات. وفي المقابل معروف أيضاً أن انتهاك حرمة هذه المراقد المقدّسة كان يحصل على أيدي نساء متحجبات، فلم يكن في وسع أي شخص أن يميّز بين الشريفة وغير الشريفة من زائرات هذه المراقد، فهنّ جميعاً محجّبات، بل إن النشّالات والمحتالات وبائعات الهوى هنّ الأكثر تحجباً لإبعاد الشبهة عنهنّ!
من جانب آخر فإن القدسية لا تُضفى على المدن والمناطق، لأن تقديس مدينة يعني جعل حتى النفايات والفضلات فيها مقدّسة، ويعني أن كلّ سكانها مقدسون، بمن فيهم اللصوص والباعة الغشّاشون والمتاجرون بالممنوعات والشواذّ والقوّادون وبائعات الهوى ... القدسية تختصّ بالمراقد المقدّسة فحسب، وخارجها لا قدسية لأي شيء.
أفترضُ أنّ رئيس مجلس محافظة كربلاء وسائر أعضاء المجلس يعرفون هذا جيداً، ويعرفون كذلك أن محافظتهم، بموجب تقارير رسمية موثّقة للدولة العراقية الحالية والسابقة، بين أكثر المحافظات التي تعاني من مشكلة تعاطي المخدرات والاتجار بها ومن مشكلة الدعارة، فضلاً عما تكابده المحافظة مثل بقية المحافظات من ارتفاع مستويات الفساد الإداري والمالي والفقر والبطالة بين سكانها وتردّي الخدمات العامة، من نظافة الشوارع والساحات والأزقة إلى التعليم والصحة والصرف الصحي وسواها.
لكنْ، وفيما يبدو أنه من باب المزايدات السياسية التي غالباً ما يرتفع منسوبها وتنفتح أبواب أسواقها كلما أصبحنا على أعتاب انتخابات محلية أو برلمانية، اختار رئيس مجلس محافظة كربلاء جاسم الخطابي أن يهاجم، بلغة تعوزها اللياقة والرصانة، رئيسة لجنة الثقافة والاعلام في مجلس النواب ميسون الدملوجي التي شاركت في فعالية ثقافية في بلدة خان النخيلة (خان الربع) في محافظة كربلاء بدعوة رسمية من منظّمي الفعالية (البلدة تبعد 30 كيلو متراً عن المرقدين المقدسين في مدينة كربلاء) ،لأنها كانت سافرة، وهي السافرة دائماً كما يعرف الجميع.
لا يوجد في العراق كلّه مجلس محافظة ناجح، وهذه الحقيقة من أسباب النقمة العامة في البلاد على مجالس المحافظات، وهي في أساس المطالبات المتواصلة بإلغاء هذه المجالس أو تخفيض عدد أعضائها. مجلس محافظة كربلاء لم يكن استثناء، فالفشل مُسجّل عليه في أكثر من مجال وقطاع من المجالات والقطاعات التي كان يتعيّن النهوض بها خدمةً لسكان هذه المحافظة الذين انتخبوا مجلس المحافظة لتأدية المهمات والواجبات التي حلفوا اليمين الدستورية عليها.
السيدة الدملوجي كانت على حقّ تماماً إذ علّقت على قول السيد الخطابي بإن حضورها الى فعالية النخيلة "انتهاك صارخ لقدسية كربلاء" لأنها كانت سافرة، بقولها إنه "كان الأجدر به أن يهتمّ بنظافة شوارع كربلاء بدلاً من أن يتحدّث عن حجابي وأصول زيارتي"... بل كان عليه أيضاً أن يهتمّ بملاحقة تجّار المخدرات والفاسدين إدارياً ومالياً وبائعات الهوى وسوى هؤلاء ممّنْ يدنّسون قدسية مرقدي الإمام الحسين والامام العباس بزيارتهما وحتى الصلاة في صحنيهما، ليس إيماناً وإنما تستّراً وإبعاداً للشبهة.
نصيحة للسيد الخطابي وزملائه أن يعوّلوا على خطاب الخدمات في كسب الجمهور .. الخطاب الديني لم يعد مُجدياً، لكثرة ما انتُهِكت قدسيته في السنين الأخيرة.
جميع التعليقات 3
بغداد
استاذ عدنان حسين يسلم قلمك على هل المقال والله كأني اقرأ للفيلسوف نيتشه مستوى التفكير الراقي الذي حطم دهليز الكنيسة ورجالها المختفين تحت مسميات القدسية الزائفة الكهنوتية التي صمموها لأنفسهم لكي يجعلوا الناس مثل القطيع تصدق ان هناك رجال دين مقدسين وما هي ا
عامر
الخطاب الديني أثبت أنه في أكثر خطبائه السياسيين هو خطاب منافق يلهث وراء النفع الشخصي المادي والدنيوي لغاية الوصول الى رغبات نفوس مريضة ومعقدة بالغة الأنانية والقسوة وتؤمن بحقها في إغتصاب الحق العام والخاص عندما تسنح لها الفرصة.
فيصل قدري
أعتقد أن خطاب جاسم الخطابي ليس موجهاً للناخبين لأن أصواتهم تطبخ قبل أن يتم تسويتها ولا أعتقد أن العملية السياسية نظيفة. خطاب الخطابي موجه للجهات التي تقوم بطبخ الأصوات يا عزيزي الأستاذ عدنان حسين.